في وقت يواجه فيه اليمن واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، أطل زعيم مليشيات الحوثي عبد الملك الحوثي بخطاب في الذكرى الحادية عشرة لانقلابه على السلطة الشرعية، متجاهلاً التحذيرات الأممية من مجاعة تهدد أكثر من 18 مليون يمني.
بدلاً من الحديث عن سبل التخفيف من معاناة المواطنين، ركز الحوثي على ما وصفها بـ”إنجازات ثورته”، مهاجمًا جميع المكونات السياسية والاجتماعية في البلاد، ومتهمًا إياها بالعمالة للخارج.
مزاعم الحرية والتنمية
الحوثي حاول تصوير سيطرته على العاصمة صنعاء ومناطق واسعة شمال اليمن باعتبارها “نهضة تحررية”، مدعيًا أن جماعته تعاملت مع خصومها بـ”مسؤولية ورقي”.
غير أن الوقائع على الأرض تكشف صورة مغايرة؛ فبحسب تقارير حقوقية، تحتجز الجماعة أكثر من 15 ألف معتقل، بينهم مدنيون وصحافيون وناشطون، اعتقلوا تعسفيًا بسبب آرائهم أو رفضهم المشاركة في فعاليات طائفية، كما أغلقت الجماعة الصحف المعارضة وضيقت على الأحزاب منذ انقلاب 2014، فارضة وصايتها على كل تفاصيل الحياة العامة.
استهداف المكونات السياسية والدينية
خطاب الحوثي لم يكن سوى إعادة إنتاج لخطاباته السابقة، إذ اتهم الأحزاب السياسية اليمنية بالعمالة للولايات المتحدة، واعتبر رفضها لانقلابه عام 2014 بمثابة “انقلاب مضاد”، كما وسّع هجومه ليشمل الأقليات الدينية، واصفًا إياها بأنها “صنيعة إسرائيل”، في محاولة لإقصاء أي صوت مخالف لهيمنة الجماعة.
في المقابل، تجاهل الحوثي الحديث عن الانتهاكات اليومية في مناطق سيطرته، حيث تُسجل حالات اعتقال واسعة بحق من يُشك بولائهم السياسي، فيما يواجه السكان ضغوطًا اقتصادية متصاعدة، بما في ذلك إجبار الفلاحين على حضور دورات عسكرية أو دفع إتاوات لدعم مجهود الجماعة الحربي.
تحميل الخارج مسؤولية الانهيار
زعيم الحوثيين حاول قلب الحقائق، معتبرًا أن اليمن قبل انقلاب جماعته كان “على وشك الانهيار” بسبب “الوصاية الأميركية”، كما اتهم المنظمات الإنسانية بالعمل ضمن “مؤامرة لتفكيك اليمن”، رغم اعتماد ملايين اليمنيين على مساعداتها للبقاء على قيد الحياة. هذا الخطاب يعكس سعي الحوثي لتحويل الأنظار عن مسؤولية جماعته المباشرة في تفاقم الأزمة الإنسانية.
وتزامن خطاب الحوثي مع تحذيرات جديدة أصدرتها الأمم المتحدة، صنّفت اليمن كثالث أكثر دولة في العالم تعاني من انعدام الأمن الغذائي.
ووفقًا للتقارير الأممية، يواجه نحو 166 مديرية خطر الانزلاق إلى مستويات “الطوارئ الغذائية”، فيما قد يتعرض 41 ألف شخص لظروف كارثية شبيهة بالمجاعة، في أسوأ سيناريو منذ عام 2022.
انقسام أعمق ومستقبل غامض
إحياء الحوثيين لذكرى انقلابهم بهذه الطريقة يعكس تمسكهم بخطاب إقصائي يعمّق الانقسام داخل اليمن، ويزيد من صعوبة التوصل إلى تسوية سياسية.
بينما ينتظر اليمنيون حلولاً عملية لأزماتهم المعيشية والاقتصادية، يواصل قادة الجماعة تقديم وعود بـ”نهضة حضارية” لا وجود لها على الأرض، في وقت يواجه فيه الشعب خطر المجاعة والانهيار الكامل.