تسير فرنسا وبلجيكا بخطوات متقاربة في مواجهة نفوذ جماعة الإخوان المسلمين داخل أراضيهما، في إطار ما يوصف بأنه “حرب باردة جديدة” ضد الإسلام السياسي.
مع تزايد المخاوف من تغلغل الجماعة في المؤسسات العامة واستغلال شعارات الإدماج لنشر أيديولوجيتها، صعّدت العاصمتان الأوروبيتان من الإجراءات الأمنية والقضائية، في مسعى لتفكيك شبكات معقدة تنشط تحت غطاء جمعيات دينية وثقافية.
فرنسا.. مداهمات وحلّ مؤسسات
في فرنسا، شكلت السنوات الأخيرة نقطة تحوّل في طريقة التعامل مع الجماعة، بعد أن تحولت التحذيرات السياسية إلى خطوات عملية.
وبدأت السلطات منذ عام 2021 بفتح ملفات جمعيات مرتبطة بالإخوان، وصولًا إلى تنفيذ سلسلة من المداهمات الأمنية في مايو ويوليو 2025، استهدفت مؤسسات متهمة بترويج خطاب متشدد.
في سبتمبر الجاري، شهدت الساحة الفرنسية تصعيدًا نوعيًا، إذ تم توقيف عدد من المسؤولين المرتبطين بالشبكات الإخوانية ووضعهم تحت المراقبة القضائية.
كما أقدمت الحكومة على حلّ المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية، الذي كان مخصصًا لتكوين الأئمة، باعتباره إحدى أبرز القنوات التي استغلتها الجماعة للتأثير في المشهد الديني.
هذه الخطوة تعكس توجهًا فرنسيًا لإعادة تشكيل الحقل الديني وإبعاده عن أي نفوذ خارجي أو تيارات أيديولوجية.
بلجيكا.. مقاربة مشابهة
لم تكن بروكسل بعيدة عن هذا التوجه، إذ اتبعت نهجًا موازيًا عبر مؤسساتها الأمنية والقضائية، فقد خلصت تقارير صادرة عن أجهزة الاستخبارات البلجيكية إلى أن بعض الجمعيات الناشطة في البلاد تعمل كأذرع دعائية للإخوان، من بينها “التجمع من أجل الإدماج ومناهضة الإسلاموفوبيا”، الذي اتّهم بترويج صورة سلبية عن أوروبا باعتبارها معادية للإسلام.
في مطلع سبتمبر 2025، تم توقيف مسؤولين بارزين في “المجلس الأوروبي للدراسات الإسلامية” والتحقيق معهم، قبل وضعهم تحت الرقابة القضائية بانتظار محاكمة مرتقبة في مارس 2026، هذه الإجراءات لم تقرأ فقط كخطوة قضائية، بل كجزء من استراتيجية أوسع تسعى إلى كبح تمدد الجماعة وإعادة ضبط العلاقة بين الدين والدولة.
تنسيق عابر للحدود
ما يميز الحملة الأخيرة أنها لم تعد مقتصرة على مبادرات وطنية، بل باتت تحمل طابعًا أوروبيًا مشتركًا، التنسيق بين باريس وبروكسل يعكس إدراكًا متزايدًا بأن شبكات الإخوان تعمل عبر الحدود، وتستفيد من الطبيعة المفتوحة للاتحاد الأوروبي.
التقارير الأمنية تشير إلى أن هذه الجمعيات تتحرك كـ”مجموعات ضغط” تستهدف المؤسسات التعليمية والثقافية، وتستغل شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان لتعزيز حضورها.
هذا التعاون يضع الأسس لسياسة أوروبية جديدة عنوانها الحزم في مواجهة أي اختراق أيديولوجي يهدد التماسك الاجتماعي ويقوض القيم الديمقراطية.
ورغم الطابع الأمني والقضائي للحملة، إلا أن أبعادها أعمق من مجرد مداهمات أو قرارات حلّ مؤسسات، فهي تعبّر عن صراع أوسع بين مشروع الدولة الوطنية الأوروبية الذي يقوم على العلمانية والاندماج، وبين محاولات تيارات الإسلام السياسي فرض أجندتها الفكرية والدينية.
وفي الوقت الذي ترى فيه الحكومات أن هذه الإجراءات ضرورية لحماية الأمن القومي، يرى مراقبون أنها تطرح أيضًا تحديات متعلقة بالحريات العامة وكيفية الموازنة بين صون التعددية ومنع استغلالها لأهداف سياسية.

