يتجه رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر نحو خطوة سياسية حساسة تجمع بين الطموح والدبلوماسية المعقدة.
بعد قراره المثير للجدل بالاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، يسعى الآن إلى فرض عقوبات جديدة على حركة حماس، في محاولة لتأكيد موقف متشدد تجاه الحركة، وتخفيف حدة الانتقادات التي رافقت إعلانه الأخير.
هذه العقوبات، التي يرتقب الكشف عنها في بيان رسمي الأحد، ستكون أول إجراء ملموس تتخذه حكومة حزب العمال ضد حماس، ما يعكس رغبة ستارمر في الموازنة بين ضغوط الداخل البريطاني والتحديات الخارجية.
بين استرضاء واشنطن ومخاوف الداخل
التحرك الجديد يقرأ في سياق حساس، إذ يأتي بعد أيام من انتقادات علنية وجهها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال زيارته الرسمية إلى لندن، حيث اعتبر أن الاعتراف بدولة فلسطين خطوة متسرعة.
بحسب مراقبين، فإن العقوبات تمثل محاولة لستارمر لإظهار تقارب مع الموقف الأمريكي، وطمأنة البيت الأبيض بأن لندن لا تهادن الجماعات التي تصنفها واشنطن إرهابية.
لكن هذا النهج أثار معارضة داخلية واسعة. فوزيرة الخارجية في حكومة الظل، بريتي باتيل، وصفت الخطوة بأنها “محاولة متأخرة لاسترضاء واشنطن”، معتبرة أن الاعتراف بفلسطين مكافأة للتطرف.
بينما نايجل فاراج، زعيم حزب الإصلاح، فذهب أبعد من ذلك، قائلاً: إن “فصل فلسطين عن حماس وهم سياسي”.
ضغوط إنسانية وانتقادات الضحايا
بالتوازي مع السجال السياسي، يواجه ستارمر انتقادات لاذعة من عائلات الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس، الذين اتهموه في رسالة مفتوحة بأنه “يكافئ القتلة” ويعقد جهود إعادتهم، هذه الرسالة، الموقعة من 16 من أقارب الضحايا، أضافت بعدًا إنسانيًا يزيد من صعوبة مهمة ستارمر في تبرير خطواته أمام الرأي العام.
خطاب مزدوج في الجمعية العامة
من المنتظر أن يُظهر ستارمر نهجًا أكثر توازنًا في خطابه المقبل أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
بينما سيشدد على أن الوضع في غزة يزداد سوءًا، وسيندد بالمجاعة وتدمير البنية التحتية، فإنه سيؤكد أيضًا على أن حماس منظمة إرهابية يجب أن تجرد من سلاحها ولا يمكن أن تشارك في أي صيغة مستقبلية للدولة الفلسطينية.
هذا التوازن يعكس محاولة لندن الحفاظ على مصداقيتها أمام المجتمع الدولي، وفي الوقت نفسه حماية علاقتها مع واشنطن التي تتبنى موقفًا أكثر تشددًا.
انقسام أوروبي وقلق استراتيجي
المفارقة، أن بريطانيا تتحرك في وقت يشهد فيه الغرب انقسامًا واضحًا بشأن القضية الفلسطينية. فالعديد من الدول الأوروبية، بينها فرنسا وبلجيكا والبرتغال، أعلنت نيتها الاعتراف بدولة فلسطين بالتزامن مع لندن، فيما يصر ترامب على رفض هذه الخطوة.
إلى جانب ذلك، أقر الاتحاد الأوروبي حزمة عقوبات جديدة طالت شخصيات بارزة في المكتب السياسي لحماس، ما يضع بريطانيا أمام اختبار الانسجام مع شركائها الأوروبيين من جهة، والالتزام بتحالفها التاريخي مع واشنطن من جهة أخرى.
بالنظر إلى المعطيات، تبدو العقوبات على حماس أقل أهمية من حيث مضمونها الاقتصادي أو العسكري، وأكثر رمزية من حيث الرسالة السياسية، فهي تمثل محاولة من ستارمر لتقليل حدة الانتقادات، وإظهار أن الاعتراف بفلسطين لا يعني بأي حال التساهل مع الجماعات المسلحة.