تواصل العاصمة النمساوية فيينا اتخاذ إجراءات أكثر صرامة تجاه ما تصفه السلطات بـ”الإسلام السياسي”، في إطار جهود مستمرة للفصل بين الدين كمنظومة روحية وبين التوظيف السياسي للإسلام الذي تعتبره الحكومة النمساوية تهديدًا محتملاً للاستقرار المجتمعي والنظام الديمقراطي.
وفي خطوة جديدة، أعلنت السلطات في ولاية النمسا السفلى عن مركز رقابة متخصص يعنى بمراقبة الأنشطة المرتبطة بالإسلام الراديكالي، في مقدمتها الجمعيات التي يشتبه في انتمائها أو قربها من جماعة الإخوان المسلمين أو غيرها من التنظيمات ذات التوجهات السياسية المغلفة بالدين.
مركز رقابة جديد: بين الغموض والفعالية المحتملة
أودو لاندباور، نائب حاكم ولاية النمسا السفلى، أوضح أن المركز قيد الإنشاء يهدف إلى “رصد البؤر الفكرية المتطرفة وإجهاضها مبكرًا”، دون تقديم تفاصيل دقيقة حول آليات العمل أو الهيكل التنظيمي المنتظر.
مع ذلك، يُفهم من التصريحات الرسمية أن المركز سيكون مزيجًا من الأدوات العلمية والمراقبة الميدانية، في محاولة لضبط أي نشاط يتعارض مع قوانين البلاد أو يهدد سلمها الاجتماعي.
الحديث يدور حول كيان رقابي يتوقع أن ينشأ بالتعاون مع الجهات التعليمية، والسلطات الأمنية، ومؤسسات المجتمع المدني، ليقدم مقاربة متعددة المستويات تشمل الوقاية، والرصد، والتحليل، وربما التوصية بتدخلات قانونية في الحالات القصوى.
التمييز بين الدين والتوظيف الأيديولوجي
من المرتقب أن يتضمن عمل المركز أدوات بحث وتحليل اجتماعي تساعد في التفرقة بين الممارسات الدينية المشروعة، والنشاطات ذات الأجندات السياسية التي تستخدم الدين كغطاء.
هو ما يعتبره خبراء خطوة ضرورية لتفادي شيطنة المجتمعات الإسلامية، وتوجيه الجهد نحو الفئات والتنظيمات التي تُحاول إعادة إنتاج خطاب متطرف داخل بيئات ديمقراطية.
وتبرز أهمية هذا النهج الوقائي، خصوصًا في ظل التحديات الأمنية التي تشهدها أوروبا، ومحاولات بعض الجماعات استغلال مناخ الحريات لبناء شبكات نفوذ داخل الجاليات المسلمة، تحت مظلة العمل الثقافي أو الخيري.
توسيع دائرة المراقبة لتشمل كل أشكال التطرف
الخطوة الجديدة في النمسا السفلى تمثل اتجاهًا نحو توسيع نطاق المراقبة، ليشمل المركز المزمع إنشاؤه أشكالًا متعددة من التطرف، سواء كانت دينية أو أيديولوجية، يمينية أو يسارية، في سعي لتقديم معالجة متوازنة لا تقتصر فقط على جماعة معينة.
وبذلك، تختلف هذه المبادرة عن مركز “توثيق الإسلام السياسي” الموجود في فيينا، والذي يركز على إعداد الدراسات والأبحاث المتعلقة بخطاب الإسلام السياسي وهيكلية شبكاته داخل البلاد، في حين يتوقع أن يكون المركز الجديد أكثر تدخلًا ومباشرة في الرصد والمواجهة العملية.
رؤية سياسية صارمة ومستقبل غامض للجمعيات المشبوهة
الخط السياسي العام في النمسا تجاه الجمعيات الإسلامية السياسية يظهر قدرًا كبيرًا من الصرامة الرسمية، وتوجهًا واضحًا نحو تفكيك البنى التنظيمية المرتبطة بفكر الإسلام السياسي، وتحديدًا جماعة الإخوان، التي تعد في نظر السلطات تهديدًا ثقافيًا وأمنيًا طويل الأمد.
وفي ظل هذه التوجهات، يتوقع أن تواجه الجمعيات الإسلامية ذات الخلفيات الأيديولوجية رقابة أكثر شدة وتشددًا في منح التراخيص والتمويل، ما قد يغير من خارطة العمل الإسلامي المؤسسي في النمسا خلال السنوات القادمة.
فيينا تمضي قدمًا نحو بناء نموذج رقابي جديد يهدف إلى مواجهة الإسلام السياسي، ليس عبر المواجهة المباشرة فقط، بل من خلال أدوات تحليل اجتماعي واستباق أمني.