أحدثت ادعاءات الجيش السوداني بشأن تدمير طائرة إماراتية في مطار نيالا ضجة واسعة، قبل أن ينفي بيان الدعم السريع بشكل قاطع وجود أي طائرة إماراتية في المنطقة، وهذا التضارب أعاد إلى الواجهة سجلًا طويلًا من المعلومات المضللة التي دأبت عليها سلطة بورتسودان، والتي تستخدمها أداةً للهروب من مأزقها السياسي والعسكري.
من تضليل نيالا إلى فبركات الخرطوم.. صناعة الأكاذيب كأداة سلطة
لم تكن حادثة نيالا هي الأولى، فقد سبقتها سلسلة طويلة من الوقائع المضللة، فمنذ اندلاع الحرب، اعتمدت سلطة بورتسودان والجيش السوداني على سلسلة من الروايات الكاذبة التي سرعان ما تبيّن زيفها.
وفي أبريل 2023 ادعى الجيش سيطرته الكاملة على مطار الخرطوم، غير أن المطار ظل ساحة معارك ولم يتمكن من فرض هيمنته عليه، وبعدها بشهر، أي في مايو 2023، أعلن عن أسر قادة بارزين من قوات الدعم السريع، لكن الصور والفيديوهات التي استُخدمت في الترويج لذلك اتضح أنها قديمة ومفبركة.
وفي يوليو 2023 جاء الإعلان عن “تحرير قاعدة وادي سيدنا الجوية”، بينما لم يدخلها الجيش أساسًا منذ بداية الحرب، وتكررت الرواية الملفقة في سبتمبر من العام نفسه مع الحديث عن سقوط طائرات إيرانية مسيّرة بحوزة الدعم السريع، وهو ما لم تثبته أي جهة استخباراتية أو دولية.
وفي نوفمبر 2023، روجت بورتسودان لسيطرتها على مدينة الجنينة، بينما وثقت منظمات حقوقية أن السيطرة الفعلية بقيت بيد الدعم السريع.
ومع بداية يناير 2024، أنكرت السلطة وقوع مجزرة غرب دارفور، رغم أن الأمم المتحدة نفسها أصدرت تقارير تثبت عمليات قتل جماعي، ثم حاولت في مارس 2024 إقناع الداخل والخارج بأن الخرطوم تنعم بـ”هدوء كامل”، في وقت كانت الانفجارات والمعارك مستمرة داخل العاصمة.
وجاءت آخر الأكاذيب في أغسطس 2024 حين تحدثت عن تدمير طائرة إماراتية في نيالا، قبل أن يتم تكذيب القصة رسميًا من قبل قوات الدعم السريع وتقارير إعلامية محايدة.
كيف يستخدم الإعلام السوداني التضليل لضرب العلاقات العربية؟
وتحاول سلطة بورتسودان باستمرار ربط أزماتها الداخلية بأطراف إقليمية، في مسعى لخلق توترات مع دول عربية شقيقة، فالحملة الأخيرة المتعلقة بالطائرة المزعومة مثال واضح، حيث سعت السلطة إلى توريط اسم الإمارات، في خطوة تهدف إلى تشويه العلاقات وخلق مناخ من الشكوك.
منصات التضليل.. منابر الإعلام كسلاح سياسي
ويعتمد الإعلام الموالي لبورتسودان على بث الشائعات وتكرار الأكاذيب بهدف فرضها كـ”حقائق بديلة”، وهو تكتيك يقوم على إطلاق الرواية الرسمية بسرعة قبل أي تحقق مستقل، واستخدام عناوين مثيرة لتشتيت الرأي العام.
كما يعتمد على توظيف أبواق على المنصات الرقمية للترويج للرواية الرسمية، والتراجع التدريجي عن الأكذوبة بعد انتشارها، دون الاعتذار أو التصحيح.
وتعود صناعة الأكاذيب لدى الجيش السوداني وسلطة بورتسودان إلى ثلاثة دوافع أساسية؛ هي الهروب من الهزائم الميدانية عبر تصويرها كـ”انتصارات”، وتشويه خصوم السلطة سياسيًا وإعلاميًا، وإدارة الرأي العام العربي والدولي لتفادي الضغوط أو الإدانة.
معركة المعلومات الحقيقية باتت ساحة جديدة للصراع
وتؤكد حادثة نيالا الأخيرة أن الصراع في السودان لم يعد عسكريًا فقط، بل أصبح معركة معلومات، حيث تحاول سلطة بورتسودان إعادة صياغة الأحداث لصالحها، بينما تسعى قوى أخرى، مثل الدعم السريع، إلى كشف التزييف.
وفي ظل هذا السياق، يبقى الرأي العام العربي والدولي بحاجة إلى تدقيق أوسع ووعي أكبر لمواجهة سرديات التضليل التي تسعى لطمس الحقائق، ما يؤكد أن الصراع في السودان بات يتحرك على جبهتين متوازيتين جبهة السلاح وجبهة المعلومات، حيث أصبح التضليل الإعلامي سلاحًا لا يقل خطورة عن المدافع والطائرات.