منذ سيطرة مليشيات الحوثي الإرهابية على مؤسسات الدولة التعليمية في مناطق نفوذها، دخلت البنية الثقافية والعلمية في اليمن مرحلة انهيار خطيرة.
حولت المليشيات المدارس والجامعات إلى أدوات لبث خطابها الطائفي والأيديولوجي، عبر تغيير المناهج وتفريغها من قيم التعايش والاعتدال، واستبدالها بخرافات وأفكار متطرفة تسعى لإعادة تشكيل هوية الأجيال وفق مشروعها الانقلابي.
المناهج أداة لتجنيد العقول
التغيير الجذري الذي فرضته المليشيات على المناهج الدراسية لم يكن مجرد تعديل أكاديمي، بل عملية ممنهجة لطمس الهوية الوطنية اليمنية.
وقد أدخلت نصوص وشعارات تخدم الفكر الحوثي وتشرعن للعنف والكراهية، ما حول التعليم إلى منصة دعائية تغرس في عقول الطلاب الولاء للجماعة بدلاً من قيم السلام والمواطنة.
التلاعب بالمناهج جعل المدرسة وسيلة لتفخيخ الوعي الجمعي، وإنتاج أجيال مشبعة بأفكار مغلقة ومعادية للمجتمع والعالم.
عسكرة الجامعات واستهداف الكوادر
لم تسلم الجامعات ومؤسسات التعليم العالي من هيمنة الحوثيين، حيث عملت المليشيات على عسكرة الحرم الجامعي من خلال فرض أنشطة دعائية وتعبئة طائفية، ودفع الطلاب إلى الالتحاق بجبهات القتال بدل مواصلة تعليمهم.
كما طالت حملات الإقصاء عشرات الأكاديميين وأساتذة الجامعات الذين رفضوا الانخراط في مشروع الجماعة، وتم استبدالهم بعناصر موالية تفتقر إلى الخبرة والكفاءة، ما أدى إلى انهيار المستوى الأكاديمي وتراجع جودة التعليم الجامعي.
قمع المعلمين وإذلال الطلاب
سياسات المليشيات لم تقتصر على تغيير المناهج وعسكرة التعليم، بل شملت ممارسات قمعية ضد المعلمين والطلاب على حد سواء.
فقد تعرضت القيادات التربوية لحملات اعتقال وملاحقة، فيما فرض على الطلاب حضور دورات طائفية ودروس تعبئة فكرية إجبارية، في انتهاك صارخ لحرية الفكر والتعلم.
حتى المدارس تحولت إلى منابر لنشر شعارات الجماعة ومناسباتها العقائدية، ما أفرغ العملية التعليمية من مضمونها التنويري.
استهداف الثقافة والهوية الوطنية
لم يقف خطر المليشيات عند التعليم، بل امتد إلى البنية الثقافية الأوسع، فالمراكز الثقافية والمكتبات ودور النشر تعرضت للإغلاق أو الاستيلاء، وتم تقييد حرية الإبداع الفني والأدبي.
وهذا المسار يعكس رغبة الجماعة في إلغاء أي فضاء معرفي مستقل، وفرض ثقافة أحادية تُقصي التنوع الفكري والتاريخي الذي طالما ميّز اليمن.
تدمير التعليم والثقافة بهذا الشكل يعني عمليًا إنتاج جيل مشوه الوعي، فاقد للقدرة على التفكير النقدي والإبداعي، ومنغمس في أيديولوجيا عنفية.
هذا الجيل الموجه سيصبح، في حال استمرار المشروع الحوثي، قنبلة موقوتة تهدد المجتمع والدولة لعقود طويلة، وتعيق أي إمكانية للنهوض أو إعادة البناء.