في تصعيد سياسي وأمني جديد، أعلن نعيم قاسم، الأمين العام لجماعة حزب الله، أن المقاومة “لن تسلم سلاحها” في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي واحتلال أجزاء من الأراضي اللبنانية، واصفًا قرار الحكومة اللبنانية بنزع سلاح الحزب بأنه “خطيئة تاريخية” تخدم ما وصفه بـ”المشروع الأمريكي – الإسرائيلي”.
لبنان
وجاءت هذه التصريحات وسط احتدام الجدل في لبنان حول خطة حكومية، مدعومة من الولايات المتحدة، لحصر السلاح بيد الجيش وقوى الأمن الرسمية، وهو ما يعتبره حزب الله محاولة مباشرة لتجريده من قدرته الدفاعية، في لحظة وصفها قاسم بأنها “أخطر من أي وقت مضى”.
تفاقم أزمة تجريد حزب الله من السلاح
وتعتبر أزمة سلاح حزب الله ليست وليدة اللحظة، إذ تعود جذورها إلى اتفاق الطائف عام 1989 الذي نص على حصرية السلاح بيد الدولة، لكنه استثنى “المقاومة” في الجنوب لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
ومع انسحاب إسرائيل عام 2000، جددت قوى سياسية المطالبة بإنهاء هذا الاستثناء، إلا أن حرب يوليو 2006 عززت من حضور الحزب كقوة عسكرية وسياسية، حيث اعتبره أنصاره حامي السيادة اللبنانية.
غير أن السنوات الأخيرة شهدت تحولًا كبيرًا، خصوصًا بعد تدخل الحزب في الحرب السورية عام 2012، وتزايد الانتقادات الداخلية لدوره الإقليمي وعلاقاته مع إيران.
ومع اندلاع جولة جديدة من المواجهة مع إسرائيل منذ أكتوبر 2023 تضامنًا مع حركة حماس في غزة، ارتفعت الضغوط الدولية على الحكومة اللبنانية لإقرار خطة لنزع سلاح الحزب، بدعوى إنهاء “الازدواجية العسكرية” داخل البلاد.
قاسم: “القرار يُسهّل قتل المقاومة ويفتح باب الفتنة”
وفي تصريحاته اليوم، اتهم نعيم قاسم الحكومة اللبنانية بأنها “تتخلى عن واجبها في حماية البلاد” وأنها “تسهل قتل شركائها في الوطن”، محذرًا من أن القرار الحكومي “يُجرّد لبنان من سلاحه الدفاعي أثناء العدوان، ويمهّد لانفجار داخلي وحرب أهلية”.
وقال قاسم خلال كلمة في بعلبك: إن “المقاومة ستبقى مرفوعة الراية بدعم من إيران”، وإن أي محاولة لمواجهة الحزب ستُقابل برد حاسم، مؤكدًا: “إما أن يبقى لبنان ونبقى معًا، أو على الدنيا السلام”.
وأضاف أن حزب الله وحركة أمل قررا إرجاء أي احتجاجات شعبية واسعة لإعطاء فرصة للحوار مع الحكومة، لكنه لم يستبعد تنظيم تظاهرات قد تصل إلى السفارة الأمريكية في بيروت إذا فُرضت المواجهة.
رسائل من حزب الله مباشرة للداخل والخارج
وربط قاسم بين القرار الحكومي وخطط إسرائيل التوسعية، مشيرًا إلى تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول “إسرائيل الكبرى” التي تشمل أجزاء من لبنان، ووجه تساؤلات مباشرة للحكومة اللبنانية: “كيف تقبلون بتسهيل الاحتلال الإسرائيلي؟ وأين استراتيجيتكم الوطنية للدفاع عن لبنان؟”.
كما استشهد باستطلاع رأي حديث أجراه “المركز الاستشاري للدراسات” أظهر أن 72% من اللبنانيين لا يعتقدون أن الجيش قادر بمفرده على التصدي لأي عدوان، و76% لا يثقون بالدور الدبلوماسي وحده، و58% يعارضون سحب سلاح المقاومة دون استراتيجية دفاعية واضحة.
ما تداعيات تصريحات قاسم على الساحة اللبنانية؟
وتأتي تصريحات نعيم قاسم في لحظة سياسية حرجة، إذ فقد حزب الله وحلفاؤه للمرة الأولى منذ سنوات “الثلث المعطل” في الحكومة، ما يضعف قدرتهم على منع قرارات كهذه، ومع ذلك، يظل الحزب قوة عسكرية وسياسية بارزة، مدعومًا من شريحة واسعة من الطائفة الشيعية، بينما تزداد المطالبات من أطراف أخرى بضرورة إنهاء ما يرونه “احتكارًا للسلاح”.
ويُحذر مراقبون من أن المضي قدمًا في تنفيذ خطة نزع السلاح دون توافق وطني قد يدفع البلاد إلى سيناريوهات تصعيدية خطيرة، في ظل التوتر القائم على الحدود الجنوبية واستمرار الضربات الإسرائيلية التي أودت بحياة قيادات بارزة من الحزب ودمرت أجزاء كبيرة من ترسانته.
وتعود أزمة سلاح حزب الله لتتصدر المشهد اللبناني، وهذه المرة في ظل ضغوط دولية وإقليمية غير مسبوقة، وبينما ترى الحكومة اللبنانية أن خطتها تهدف لاستعادة سيادة الدولة على كامل أراضيها، يعتبرها الحزب تنفيذًا لمخطط خارجي يستهدف تصفية المقاومة.
وفي ظل الانقسام الحاد، تبدو البلاد أمام مفترق طرق: إما التوصل إلى صيغة دفاعية مشتركة، أو الانزلاق إلى مواجهة قد تهدد استقرار لبنان الهش أصلًا.