تصاعدت المخاوف الأوروبية من تمدد جماعة الإخوان الإرهابية، في قلب المجتمعات الغربية؛ ما دفع العديد من الدول الأوروبية إلى اتخاذ خطوات أكثر حزمًا لمواجهة تأثير هذا التنظيم الذي بدأ يحقق نفوذًا متزايدًا داخل الجاليات العربية والإسلامية، لا سيما في صفوف المهاجرين.
تزايد القلق الأوروبي من المد الإخواني
وتشير المعطيات الأخيرة إلى أن أوروبا دخلت في مرحلة جديدة من التعامل مع خطر تمدد جماعة الإخوان، حيث تتجه الدول الغربية إلى خطوات أكثر صرامة لمنع التنظيم من استغلال الأوضاع في الداخل الأوروبي لتعزيز سلطته داخل مؤسسات المجتمع الغربي.
ويعتقد أن هذه الإجراءات لا تقتصر فقط على ردود الفعل الأمنية، بل تتعداها لتشمل تحركات سياسية وتشريعية تهدف إلى الحد من قدرة الإخوان على التحكم في الجاليات الإسلامية، خاصةً في الدول التي تعدّ بمثابة قلاع للتنظيم الدولي.
ازدواجية الخطاب.. بين العلن والسر
بينما تتعدد التصريحات الأوروبية حول الجماعة، تتسم تلك التصريحات أحيانًا بالتناقض بين الخطاب الإعلامي والموقف الرسمي للدول الغربية.
من أبرز المشاهد التي تثير الشكوك حول نوايا الجماعة، تكشف التقارير عن ارتباط الإخوان بمظاهرات تم تنظيمها مؤخرًا في تل أبيب.
وفقًا لبعض المراقبين، لم تكن تلك المظاهرات سوى خطوة تكتيكية تهدف إلى تشويه صورة بعض الدول في الخارج وإلقاء الضوء على قضايا ثانوية بدلاً من التركيز على القضايا الأساسية في المنطقة.
وما يزيد من غرابة الأمر هو أن الجماعة تمكنت من الحصول على تصريح رسمي للتظاهر في تل أبيب، وهو تصريح صادر عن وزارة الأمن القومي الإسرائيلي.
وهذا التحرك يُظهر تلاعبًا مزدوجًا في تصرفات الجماعة بين ما هو علني وما هو سري، الأمر الذي يعزز الشكوك حول أهدافها الحقيقية.
المواجهة في النمسا وبلجيكا
تمكنت بعض الدول الأوروبية من اتخاذ خطوات أكثر تصعيدًا لمواجهة التهديد الذي تمثله جماعة الإخوان. ففي النمسا، أطلقت الحكومة في 2020 حملة أمنية مكثفة ضد الجماعة، شملت مداهمات لمقرات وشخصيات تدير العديد من الجمعيات المرتبطة بشبكة الإخوان.
كما تم تأسيس مركز توثيق الإسلام السياسي، الذي يهدف إلى رصد وفحص أنشطة الجماعة وتنظيمات الإسلام السياسي الأخرى في البلاد.
وفي بلجيكا، كشفت السلطات مؤخرًا عن تحذير مبكر وجهه جهاز أمن الدولة في 2020 إلى فيدرالية والونيا- بروكسل، بشأن وجود ارتباط محتمل بين جماعة الإخوان وجمعية بلجيكية تدعى “التجمع من أجل الإدماج ومناهضة الإسلاموفوبيا في بلجيكا CIIB”.
المواجهة الفرنسية الكبري
وأمر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الحكومة بوضع مقترحات لمعالجة نفوذ جماعة الإخوان وانتشار الإسلام السياسي في فرنسا.
وجاء هذا الإعلان من الرئاسة الفرنسية بعد أن ترأس ماكرون اجتماعًا أمنيًا لبحث التحقيق المتعمق الذي أفاد بأن جماعة الإخوان تشكل تهديدا للتماسك الوطني في فرنسا.
وحدد التحقيق “اتحاد مسلمي فرنسا” باعتباره الجهة الفاعلة الرئيسية لجماعة الإخوان في فرنسا، وذكر أنه يسيطر على 139 مكان عبادة. ويدير الاتحاد 280 جمعية رياضية وتعليمية وخيرية، و21 مدرسة.
التحركات السويسرية
في سياق متصل، شهدت الأسابيع الأخيرة مطالبة سياسية سويسرية بارزة بإجراء تحقيق مشابه للتحقيق الفرنسي في تهديد جماعة الإخوان.
فقد دعت جاكلين دي كواترو، السياسية السويسرية، إلى إجراء تحقيق رسمي معمق بشأن تواجد ونفوذ الإخوان في سويسرا.
طالبت دي كواترو، بالتعاون مع مجموعة من النواب السويسريين المنتخبين، بوضع دراسة مماثلة لتلك التي أُجريت في فرنسا.
وقالت: إن الإخوان يمثلون تهديدًا حقيقيًا وأنه يجب التحرك بسرعة لمنعهم من ترسيخ وجودهم في سويسرا كما حدث في فرنسا، حيث تمكن الإخوان من بناء شبكة واسعة تهدف إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في العديد من القطاعات.
يتضمن طلب دي كواترو أن يوثق المجلس الفيدرالي السويسري وجود هذه الشبكات، هيكلها، وتأثيرها الأيديولوجي والاجتماعي، وتوافقها أو عدم توافقها مع المبادئ الدستورية السويسرية.
ويرى العديد من السياسيين السويسريين، أن التحقيق سيكون أساسًا قيّمًا لتطوير استراتيجيات فعالة لمواجهة التهديد.
رفض بريطاني قاطع للإخوان
في مقال له بصحيفة “التليجراف” البريطانية تحت عنوان: “لا مكان للإخوان في المجتمع البريطاني”، أكد أبراهامز أن جماعة الإخوان لا تمثل المسلمين البريطانيين، بل تستخدم هويتهم لخدمة أجندة سياسية تتسم بالعنصرية.
في بريطانيا، أُثيرت قضية وجود جماعة الإخوان في المجتمع البريطاني بشكلٍ أكثر وضوحًا، حيث أشار ديفيد مارتن أبراهامز، نائب الرئيس السابق للمعهد الملكي للأمن، إلى رفض أفكار الجماعة وتأثيرها داخل المجتمع البريطاني.
وأوضح أبراهامز، أن جماعة الإخوان ليست مجرد مدرسة فكرية أو تيارًا فرعيًا ضمن التراث الإسلامي، بل هي مشروع سياسي عابر للحدود الوطنية، منظم بشكل جيد، يهدف إلى استخدام العملية الديمقراطية لتقويض المبادئ الديمقراطية نفسها.
وأضاف: أن الجماعة تقدم نفسها بشكل معتدل علنًا، بينما تدعو إلى الجمود الأيديولوجي في الخفاء، ويشمل ذلك عملاء لهم خبرة واسعة في إخفاء التطرف باستخدام لغة حقوق الإنسان.
تحولات استراتيجية.. هل حان وقت المواجهة الأوروبية الشاملة؟
التطورات الأخيرة تشير إلى أن المواجهة الأوروبية مع جماعة الإخوان قد تخطت مرحلة التصريحات التحذيرية وبدأت تأخذ شكلًا عمليًا أكثر تشددًا.
وتتعامل الحكومات الأوروبية الآن مع تهديد الإخوان ليس فقط كخطر أمني محتمل، بل كتهديد أيديولوجي يمتد جذوره إلى مفاهيم معقدة قد تتغير وتتكيف مع الظروف المستجدة.
هذه الديناميكية جعلت من الصدام مع التنظيم ليس مجرد معركة قصيرة الأمد، بل حربًا طويلة الأجل تتطلب تنسيقًا دوليًا شاملًا.
وفي هذا السياق، يلاحظ أن التنظيم الإخواني يمتلك قدرة غير عادية على التكيف والتغيير، مما يعقد مواجهة مشروعه الفكري والسياسي، بل إن هذا التكيف يجعل من الصعب على الحكومات الأوروبية التصدي للأيديولوجية الإخوانية بشكل فعّال على المدى الطويل.