في ظل تصاعد الصراع المسلح في السودان، أثارت حادثة ” قصف مطار نيالا لاستهداف طائرة إماراتية محملة بمرتزقة” ضجة إعلامية واسعة، لكن بين الرواية المتناقضة للجيش السوداني ونفي قوات الدعم السريع، ظهرت فجوة كبيرة في إمكانية تصديق هذه الاتهامات.
وتبين أن هذه الأخبار الكاذبة تهدف إلى ضرب العلاقات بين السودان ودول عربية شقيقة، وتشويه صورة الدعم السريع أمام الرأي العام العربي والدولي، ليتبين أنه توجد حرب سردية طويلة تدور في كواليس المشهد السوداني.
حادثة نيالا بين أكاذيب بورتسودان وحقيقة “الدعم السريع”
وفي خطوة هي الأوضح ضد رواية بورتسودان، أصدرت قوات الدعم السريع بيانًا رسميًا حاسمًا جاء فيه:“شهدت الأيام الماضية حملة تضليل ممنهجة… زعمت – كذبا وافتراء– أن القوات المسلحة السودانية قد نفّذت قصفاً على مطار نيالا… هذه المزاعم لا أساس لها من الصحة مطلقًا… مدينة نيالا … تتمتع بحماية كاملة … عبر منظومات دفاع جوي متطورة… تم تدمير أي طائرة حربية أو مسيّرة حاولت الاعتداء على المدينة…”.
وأكد البيان، أن مدينة نيالا، بمطارها ومرافقها الحيوية، تتمتع بحماية وتأمين شامل من جميع الاتجاهات، عبر منظومات دفاع جوي متطورة تم تعزيزها مؤخرًا، وهو ما مكنها من صد وإفشال محاولات سابقة لاختراق أجوائها وإسقاط مسيرات إيرانية وأخرى من طراز “بيرقدار” و”أكانجي”.
وتابع البيان: “إن قوات الدعم السريع تؤكد لجماهيرها في كل ولايات السودان، وللشعب السوداني والعالم قاطبة، أن هذه المزاعم لا أساس لها من الصحة مطلقا، وهي جزء من الحرب الإعلامية القذرة، التي درج عليها فلول النظام للتغطية على هزائمهم العسكرية المتتالية، لا سيما في جبهات كردفان، ولصرف الأنظار عن حالة الانهيار التي يعيشونها عقب الخسائر الكبيرة في العتاد والأرواح، التي لحقت بهم في معارك كردفان”.
وهذا البيان يأتي مؤيدًا بنفي صريح من الإمارات، وتأكيدًا على أن المدينة محمية جيدًا بالصواريخ المسيّرة ومنظومات الدفاع الجوي.
تفكيك رواية الجيش السوداني.. تناقضات وغياب الأداة
يتبين من بيان الجيش السوداني عدم وجود دلائل ميدانية موثوقة، فلم تُعرض صور أو مقاطع فيديو تظهر آثار القصف أو الطائرة المزعومة، بالإضافة إلى غياب المصادر المستقلة فالرواية احتُفظ بها داخل نطاق قنوات محسوبة على النظام السابق ومنصات التواصل دون تحقق.
كما أن التوقيت مشكوك فيه، كونه يأتي ترويج هذه المزاعم في وقت تُسجّل فيه خسائر ميدانية للجيش في جبهات مثل كردفان، مما يدفع للتوقف عند الأهداف السياسية المحتملة.
سجل حافل من التضليل الإعلامي لسلطة بورتسودان
تعتبر هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها تضليل الرأي العام، فحادثة “إسقاط الطائرة التركية” في 2024 والتي ثبت لاحقًا أنها طائرة سودانية قديمة سقطت بعطل فني.
كما يوجد الحديث عن “ تحرير مدينة الفاشر” رغم أن السيطرة الميدانية لم تتغير، فضلاً عن وجود اتهامات ملفقة بوجود قوات أجنبية دون أي دليل، لاستثارة المشاعر الوطنية.
واستغلت أيضًا حكومة بوردتسودان صور قديمة ومأخوذة من أماكن أخرى، خلال معارك نيالا، تم تداول صور وفيديوهات مزيفة على أنها تنقل المعارك في تلك المدينة، رغم أنها تعود لمواقع مثل: اليمن وقطر وأحداث قديمة في ليبيا، بالإضافة إلى مقاطع صوتية وفيديوهات مزيفة باستخدام الذكاء الاصطناعي (Deepfake)، حيث انتشرت تسجيلات مفبركة مزعومة لأنصار أو مسؤولين (مثل عمر البشير)؛ ما تسبب في ضبابية المعلومات وتأليب الرأي العام.
وتعمدت أيضًا استخدام أخبار ملفقة، مثل: تصاريح مفادها محاولة حل الحكومة أو تحولات سياسية جذرية، حيث ادّعت صفحات محسوبة على النظام أن رئيس بعثة الأمم المتحدة اقترح حكومة تكنوقراط؛ ما أدى لمحاولة احتشاد شعبي حول فكرة “حل الحكومة”، قبل أن تتبين زيف الواقعة.
وقيل: إن الجيش قصف سوقًا في كبكابية شمال دارفور ومشفى في دارفور الشمالي، رغم نفي بعض الطرف المقابل للجيش، وأطلق سراح عارٍ من الدليل الواضح.
ما البعد السياسي للتضليل؟.. استهداف العلاقات الإقليمية
وتكشف هذه الحملة عن مسار واضح يربط بين الأكاذيب الإعلامية ومحاولة ضرب علاقات السودان مع دول مثل الإمارات والسعودية ومصر، عبر تصوير هذه الدول كطرف في النزاع، وهو ما قد يعرقل أي جهود للوساطة أو التسوية السياسية.
وفي ظل الحروب الحديثة، أصبحت الأكاذيب أداة لا تقل خطورة عن السلاح التقليدي، ولمواجهة هذه الروايات المفبركة تتطلب إعلامًا مهنيًا، وتحقيقات مستقلة، ووعيًا شعبيًا قادرًا على التمييز بين الحقيقة والدعاية.