تتزايد الأدلة والتقارير التي تشير إلى دور فاعلين أجانب ومرتزقة في النزاع السعودي الداخلي بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع (الـRSF)، وكشفت تقارير غربية وعربية وحكومية عن تواجد مرتزقة أُوكرانيين كمدرِّبين ومهاجمين، اشتباه بوجود عناصر من تيغراي، وصولاً إلى أخبار عن ضحايا من مرتزقة كولومبيين في ضربات جوية حديثة.
الكيزان يستعينون بمرتزقة من التيغراي
وكشفت مصادر عن استعانة علي كرتي في الاتفاق مع قولت تيغراي للاستعانة بمرتزقة للفترة المقبلة للقتال مع الجيش السوادني والكيزان تحت ستار حسم حرب السودان، وسط مخاوف من وجود هؤلاء المرتزقة في مناصب رفيعة بقوات البرهان بشكل سري.
وهذه الممارسات قد تخدم أهدافًا عسكرية قصيرة المدى لكنها ترفع سقف المخاطر السياسية والقانونية على القوى الراعية، بما في ذلك شخصيات محسوبة على التيار الإسلامي (الـ«كيزان») مثل علي كرتي، بحسب اتهامات ومسوَّدات تحقيقية.
ومنذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، تحوّل الصراع داخل السودان إلى ساحة تتداخل فيها مصالح محلية وإقليمية ودولية، ونتيجة افتقار أحد الطرفين إلى خبرات متقدمة في الحرب الحديثة، وجود عقوبات أو قيود على توريد الأسلحة، أو الرغبة في تجاوز قواعد التجنيد المحلية، دفعت بصنّاع قرار إلى الاستعانة بعناصر أجنبية توفر خبرة قتالية (طيارين متقاعدين، فرق طائرات مسيّرة، مقاتلون أرضيون) دون الإعلان الرسمي عن وجود اتفاقات نظامية.
خريطة «المرتزقة» في السودان
يوجد عدة مرتزقة في السودان، منهم الأوكرانيون، حيث تفيد تقارير تحقيقية غربية نقلت عن مصادر استخبارية وأشرطة فيديو مزعومة أن مجموعات أوكرانية نفّذت/دعمت عمليات ضد عناصر مجموعات روسية (مثل «فاغنر») الموالية للـRSF أو قامت بتدريب عناصر الجيش السوداني، ومثل هذه العمليات رُصدت في 2023 و2024 وما زالت حلقاتها محلّ نقاش وتحري.
بالاضافة إلى مقاتلو تيغراي/إثيوبيون، حيث توجد اتهامات إعلامية وبيانات من طرفَي النزاع تحدثت عن مشاركة مقاتلين تخرّجوا من حرب تيغراي في معارك داخل السودان، وقد نفت سلطات تيغراي بعضها، بينما استمرّت بيانات محلية تكرر هذه الاتهامات.
كما يوجد كولومبيون وغيرهم، ورفقا أخبار نشرتها وكالات دولية أفادت أن ضحايا لقصف في دارفور كانوا من مرتزقة جنسيات أميركية لاتينية (تقارير حديثة تتحدث عن عشرات القتلى من كولومبيا)، في تطور يُظهِر امتداد سوق المرتزقة إلى أمريكا اللاتينية وإفريقيا.
ونشرت وسائل إعلام غربية لقطات ومنشورات تزعم وجود أوكرانيين نفّذوا هجمات أو عملوا كمدرّبين في السودان؛ بعضها لم تُثبَت بشكل نهائي أمام تحقيقات مستقلة، وفي ضربات جوية وإعلانات من جهات حكومية (مثل إعلان استهداف طائرة نقل مُحمّلة بمرتزقة) قدّمت أوليات تدلّ على تحرُّك أجنبي منظّم، لكن التحقيقات الدولية والمستقلة لازالت قيد المتابعة.
من هو «علي كرتي» وما دوره المزعوم؟
علي أحمد كرتي، السياسي المعروف ووزير الخارجية السابق، ورد اسمه في سياقات رسمية وأمريكية كمشارك سياسي فاعل في مشهد ما بعد 2019، وورد اسمه ضمن قوائم اتهامات أمريكية تتعلق بالإسهام في تقويض الاستقرار.
وأشارت تقارير وتحليلات إقليمية إلى أن شخصيات سياسية من خلفية النظام السابق و«الكيزان» سعت إلى استثمار الفوضى أو الترتيب لاتفاقات مع وسطاء إقليميين لتأمين دعم عسكري أو مرتزقة، ومع وجود عقوبات أميركية على بعض الشخصيات، فإن أي تعاملات سرّية مع مجموعات مسلحة أجنبية قد تزيد تعقيدات المشهد وتعرض الأطراف لرقابة دولية.
هل «تنقلب الطاولة» على الكيزان ومن يدعمهم؟
توجد احتمالات كبير بالاستهداف السياسي والقانوني الدولي، حيث تورُّط شخصيات سياسية معروفة في استقدام مرتزقة يسهِم في تبعات قانونية وعقوبات دولية، كما قد يفتح تحقيقات جرائم حرب إذا ثبت تورّط المرتزقة في انتهاكات.
كما أنه ترجد تبعات أمنية داخلية فالاعتماد القوى على مرتزقة أجانب يقوّي خصومهم (إن فشل التعاقد أو انشق المقاولون)، أو يؤدي إلى فقدان السيطرة على أسلحة ومقاتلين مستقلين قد يجرّون صراعات أخرى.
فضلًا عن أن السكان المتضرّرين والقبائل يمكن أن يتحوّلوا إلى حاضنة لمعارضة صارمة ضدّ أي تواطؤ مع أجانب، ما يعزّز عزلة داعمي الاختيارات العسكرية الهجينة.
لذا فالتحقيقات والأدلة المنشورة حتى الآن تُشير إلى اعتماد متزايد على عناصر أجنبية في معارك السودان — من أوكرانيين إلى مقاتلين يشتبه بانتمائهم لتيغراي، ووصولًا إلى مرتزقة من أمريكا اللاتينية، وهذا المسار يساعد في تحقيق مكاسب عسكرية فورية لكنه يعرّض الرعاة السياسيين لتبعات سياسية وقانونية خطيرة، وقد يكون سببًا في تقويض مكانتهم إن انكشفت الاتفاقات أو إذا ما ارتكب المرتزقة انتهاكات مروّعة.
وبالتالي، احتمال «انقلاب الطاولة» على شخصيات محسوبة على «الكيزان» ليس فرضية بعيدة إذا ما وُثّقت دلائل تربطهم مباشرة بصفقات توظيف المرتزقة.