بينما تتسع رقعة الدمار في غزة، ينتظر المراقبون نتائج اجتماع “الكابينت” الإسرائيلي المرتقب، وسط تصاعد التوترات الداخلية بين جناحي المؤسسة السياسية والعسكرية في تل أبيب.
حيث يظل المشهد مفتوحًا على سيناريوهات شديدة الخطورة، يدفع ثمنها السكان المدنيون في غزة، في ظل غياب أفق سياسي واقعي، وانقسام إسرائيلي لم يتحوّل بعد إلى معارضة فاعلة على الأرض.
أزمة عميقة تتجاوز الجانب العملياتي
فالمواقف المتباينة بين رئيس الأركان ووزير الدفاع تكشف عن أزمة عميقة تتجاوز الجانب العملياتي، لتبلغ حدود الصراع حول مستقبل غزة، وأثمان أي تحرك محتمل.
الاختلاف الذي ظهر إلى العلن بين الفريق العسكري الميداني والقيادة السياسية، بشأن خطة “احتلال شامل” للقطاع، يعكس صراعًا غير مسبوق داخل دوائر القرار الإسرائيلي، فرئيس الأركان إيال زامير يطرح رؤية حذرة، تفضّل عمليات محدودة وتكتيكية، محذرًا من أن الانخراط الكامل في غزة قد يضع الجيش في موقف محفوف بالمخاطر، لا سيما في ظل وجود أسرى إسرائيليين.
الخيار الأكثر تشددًا
في المقابل، يصرّ وزير الدفاع إسرائيل كاتس على الالتزام بالخيار الأكثر تشددًا، مطالبًا المؤسسة العسكرية بتنفيذ قرارات الحكومة بلا نقاش، في موقف يُظهر رغبة واضحة في فرض سيطرة سياسية كاملة على القطاع، بصرف النظر عن التحذيرات الأمنية أو التداعيات الإنسانية.
ووسط هذا الانقسام، تُعقد الآمال أو المخاوف على مخرجات اجتماع “الكابينت”، الذي تشير تسريبات إلى أنه سيبحث بجدية توسيع نطاق العمليات تمهيدًا للسيطرة الكاملة، في وقت تتوالى فيه التحذيرات الدولية من كارثة إنسانية محققة.
اللافت، أن هذه التطورات تتقاطع مع تحركات أميركية غير معهودة، تقودها إدارة الرئيس دونالد ترامب تحت مظلة “الاستجابة الإنسانية”.
تقارير صحفية كشفت عن مبادرة أميركية لتنسيق جهود إغاثية في غزة، قد تتضمن مشاركة قطر ماليًا ومصر والأردن لوجستيًا، غير أن محللين يرون في هذا التدخل محاولة لفرض ترتيبات ما بعد الحرب، أكثر من كونه مسعى إنسانيًا خالصًا.
الباحث في العلاقات الدولية أشرف عكة، وصف هذه التحركات بأنها “محاولة لإدارة غزة سياسيًا من الخارج”، مشيرًا إلى توافق غير معلن بين ترامب ونتنياهو على استثمار الحرب في تعزيز مواقفهما الداخلية، قبيل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
عكة يرى، أن الحديث المتزايد عن احتلال القطاع ليس سوى غطاء لعملية سياسية أوسع، هدفها إعادة رسم خريطة غزة وتفكيك أي مشروع وطني فلسطيني مستقل.
كما حذّر من سيناريو تهجير محتمل للسكان نحو الجنوب، في ظل صمت دولي مريب وتواطؤ إقليمي غير معلن.
الأصوات المعارضة للحرب تتزايد داخل الأوساط
أما على الصعيد الداخلي الإسرائيلي، فإن الأصوات المعارضة للحرب تتزايد داخل الأوساط الأكاديمية والعسكرية، لكن تلك الاعتراضات ما تزال عاجزة عن كبح جماح المؤسسة السياسية المتطرفة التي تدير المشهد.
في المقابل، يبدو أن نتنياهو مستمر في تجاهل التحذيرات، بل ويوظف التصعيد لتعزيز موقعه داخل الائتلاف الحكومي الهش، مدفوعًا برغبة في البقاء السياسي، حتى لو كان الثمن انفجارًا إنسانيًا في غزة، واتهامات دولية متزايدة بارتكاب جرائم حرب.
وفي غضون ذلك، تواصل إدارة ترامب لعب دور مزدوج: دعم سياسي وعسكري مفتوح لإسرائيل من جهة، ومبادرة إنسانية ضبابية من جهة أخرى، يُرجّح أن تكون بوابة لفرض ترتيبات إدارية في غزة تلبّي المصالح الأميركية والإسرائيلية معًا.