في الرابع من اغسطس 2025، وقف اللبنانيون مجددًا أمام مشهد الألم والمأساة التي حلت بمرفأ بيروت قبل خمس سنوات، عندما دوّى الانفجار المروّع الذي دمّر نصف العاصمة، وأسفر عن مقتل 157 شخصًا، وإصابة أكثر من خمسة آلاف آخرين، فضلاً عن تشرّد الآلاف وخسائر اقتصادية تجاوزت مليارات الدولارات.
فيما تتواصل الجهود لإحياء ذكرى هذه الفاجعة الوطنية، تركزت الأنظار هذا العام على تصاعد الدعوات للمحاسبة، وسط شعور عام بالإحباط من غياب العدالة، وتعطيل التحقيقات بفعل ضغوط سياسية، خاصة من أطراف مرتبطة بميليشيات مسلحة خارجة عن سيطرة الدولة، تمثل ذراعًا لنظام طهران داخل لبنان.
العدالة ستأخذ مجراها
الرئيس اللبناني جوزف عون أكد – في كلمة بالمناسبة- أن “العدالة ستأخذ مجراها، مهما طال الزمن، وأن دماء الشهداء لن تذهب هدرًا”، مضيفًا أن لا غطاء سياسيًا لأي متورط، أيًا كان موقعه.
غير أن هذه التصريحات، رغم أهميتها، لم تنجح في تبديد شكوك فئات واسعة من اللبنانيين، الذين يرون أن التحقيق ما يزال معطّلاً بفعل تدخلات قوى الأمر الواقع، وفي مقدمتها الميليشيات المدعومة من إيران، التي يحمّلها كثيرون مسؤولية سياسات العرقلة، وتغليب مصالح الخارج على سيادة الدولة.
وفي سياق متصل، لفتت كلمة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، التي ألقتها مؤخراً أمام البرلمان الإيطالي، الأنظار مجددًا إلى ما وصفته بـ”جذور الكارثة”، مؤكدة أن لبنان، مثل غيره من الدول العربية، يدفع ثمن مشروع التوسع الإيراني الذي يعتمد على الميليشيات الطائفية وتفكيك الدول الوطنية.
” رجوي” اعتبرت أن الانفجار في بيروت لم يكن مجرد حادث عرضي، بل نتيجة تراكمات ناتجة عن تغوّل ميليشيات مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، قالت إنها حوّلت المرافئ والمطارات والمناطق الحدودية إلى مساحات خارجة عن سيطرة الدولة، تُستخدم في تهريب السلاح والمخدرات، وكممرات لدعم النزاعات الإقليمية.
وأضافت: أن “السكوت الدولي، ومهادنة العواصم العربية لطهران، مكّنت هذا النظام من التمادي في زعزعة استقرار المنطقة”، مشددة على أن “ما لم تتم محاسبة هذا النظام ومحاصرته سياسيًا ودبلوماسيًا، فإن الكوارث لن تتوقف، سواء في لبنان أو العراق أو اليمن”.
رجوي دعت العرب والمجتمع الدولي إلى تبنّي “الحل الثالث”، الذي يتجاوز الحرب والمهادنة، ويقوم على دعم الشعب الإيراني ومقاومته في سعيهم لتغيير النظام من الداخل، بوصفه السبيل الوحيد لضمان استقرار دائم في الشرق الأوسط.
الميليشيات الايرانية في لبنان والأزمة العميقة
ويرى مراقبون، أن الذكرى الخامسة لانفجار بيروت كشفت مجددًا أن أزمة لبنان ليست فنية أو قضائية فحسب، بل سياسية وأمنية عميقة، تُغذيها منظومة سلاح غير شرعي.
ويتجاوز حزب الله ليشمل شبكة أوسع من الميليشيات المرتبطة بمشروع ولاية الفقيه، الأمر الذي يجعل أي عدالة ناقصة ما لم تُنتزع السيادة كاملة من أيدي تلك القوى وتُعاد إلى الدولة ومؤسساتها الشرعية.