في تصعيد جديد يُفاقم معاناة المدنيين في اليمن، وسّعت جماعة الحوثي من حملتها الأمنية التي انطلقت قبل أسابيع في محافظة إب (جنوب صنعاء)، لتشمل أطراف محافظة تعز، مستهدفة عشرات المعلمين والأطباء والشخصيات الاجتماعية، في سياق سياسة قمعية تهدف إلى خنق أي تحركات معارضة وفرض أجندة مذهبية متطرفة.
حملة ذات طابع طائفي
ففي مديرية ماوية الواقعة شمال شرقي تعز، اقتادت ميليشيات الحوثي عددًا من المدرسين ومديري المدارس إلى “معتقل الصالح” سيئ الصيت، الذي يُعرف بظروفه القاسية وممارسة التعذيب الممنهج، ويأتي هذا التوسع بعد اعتقال قرابة 100 شخص في محافظة إب، معظمهم من الأكاديميين والمعلمين والعاملين في القطاع الطبي.
وبحسب شهادات سكان محليين، فإن كثيرًا من المعتقلين لا يمارسون أي نشاط سياسي منذ سنوات، وقد اضطر بعضهم للعمل في الزراعة أو قيادة سيارات أجرة بعد توقف رواتبهم منذ 9 سنوات.
وأشار الأهالي إلى أن الحملة ذات دوافع طائفية بحتة، مؤكدين أن الحوثيين اقتحموا مسجدًا لأهل السنة في سوق السويداء بمديرية ماوية، وفرضوا خطباء موالين لهم من محافظة صعدة، كما فتشوا هواتف المصلين وطردوا الإمام السابق، في خطوة تندرج ضمن مساعي تغيير الهوية المذهبية في مناطق ذات أغلبية سنية.
انتهاكات ممنهجة ومتواصلة
كما كشفت الناشطة الحقوقية وعضو اللجنة الوطنية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، إشراق المقطري، عن تنفيذ الحوثيين لحملة واسعة خلال يومي 29 و30 يوليو، طالت شخصيات متعددة من بينهم رضوان عبدالله، وجمال محمد، ونجيب أحمد، وأربعة أطباء وطلاب، متهمين زورًا بتجنيد أفراد لصالح الحكومة الشرعية.
وأضافت المقطري أن مديرية ماوية تخضع لرقابة أمنية صارمة منذ سنوات، وأن هذا التصعيد يأتي بعد مقتل الشيخ السلفي صالح حنتوس في محافظة ريمة، ما زاد من القيود المفروضة على الحركة والنشاطات الدينية والاجتماعية.
كما شملت الاعتقالات مديرية خدير بمحافظة تعز، حيث تم اختطاف عدد من المعلمين والنقابيين وأعضاء المجالس المحلية، من بينهم عبدالإله عبدالرب عثمان، عبدالسلام الجرادي، وعبد الرحيم أحمد، وتم اقتيادهم إلى معتقل الصالح، ما يعكس استمرار نمط الاعتقال التعسفي والانتهاكات بحق العاملين في القطاع التربوي.
اعتداءات جسدية وتجنيد قسري
ولم تتوقف الانتهاكات عند حد الاعتقال، بل وصلت إلى حد الاعتداء الجسدي. ففي محافظة إب، دهست سيارة عسكرية تابعة للحوثيين المعلم عبدالسلام قاسم أثناء مروره بجوار حديقة في منطقة الحوبان بمحافظة تعز، ما تسبب في إصابته بجروح بالغة نقل على إثرها إلى المستشفى في حالة حرجة، فيما لاذ الجناة بالفرار.
وفي سياق آخر، لقي الطالب عقبة أبو راس، أحد طلاب السنة الخامسة في كلية الطب بجامعة العلوم والتكنولوجيا، مصرعه داخل معسكر تدريب حوثي في محافظة الحديدة، بعد أن تم تجنيده قسرًا ضمن برنامج طائفي أطلق عليه اسم “طوفان الأقصى”.
وتُشير تقارير طلابية إلى أن ذراع الحوثيين الأمنية داخل الجامعات، المعروفة بـ”ملتقى الطالب الجامعي”، جنّدت أكثر من 200 طالب خلال العامين الأولين من سيطرتها على الجامعة.
صمت محلي ودولي مقلق
وأعرب أهالي المعتقلين عن غضبهم من صمت وجهاء المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، محملين إياهم المسؤولية عن مصير الضحايا.
من جهتها، أدانت “الشبكة اليمنية للحقوق والحريات” حملة الاعتقالات التي طالت أكثر من 12 معلمًا في ماوية، ووصفتها بأنها “انتهاك صريح للقانون الدولي وامتداد لسياسة الإخفاء القسري”، محذرة من خطورة ترويع المعلمين وفرض أجندات مذهبية تهدد مستقبل التعليم في اليمن.
وتؤكد هذه الحملة المتصاعدة أن جماعة الحوثي ماضية في سياسة تكميم الأفواه وتصفية الفضاء العام من أي أصوات مستقلة، خصوصًا في أوساط المعلمين والنشطاء الدينيين والاجتماعيين، وبغياب موقف دولي حازم، تتسع رقعة الانتهاكات وتتعزز بيئة الإفلات من العقاب، في وقت يحتاج فيه اليمنيون إلى حماية حقيقية من آلة القمع التي لا تميز بين معلم وطالب، أو مدني وساعي رزق.