في ظل تعقيدات الحرب الإقليمية المستعرة بعد هجمات السابع من أكتوبر 2023، تكثف إسرائيل والولايات المتحدة جهودهما في حرب إلكترونية واستخباراتية متنامية ضد جماعة الحوثي في اليمن، في محاولة لسد الفراغ المعلوماتي حول ما تصفه تل أبيب بـ”سلطة الأمر الواقع” في صنعاء، بحسب تقرير لمجلة ذا كرادل.
وأفاد يمنيون، بأن مئات الصحفيين والناشطين تلقوا اتصالات ورسائل احتيالية بواجهات متعددة، تضمنت أحيانًا أسماء فلسطينية، في محاولات لاختراق البيئة المدنية واختبار إمكانات التجنيد والتأثير.
الجبهة الاستخباراتية بدلًا من المواجهة المباشرة
وبعد انضمام الحوثيين رسميًا إلى “جبهة الإسناد” عقب هجوم حماس على جنوب إسرائيل، فتحت تل أبيب بدعم أمريكي جبهة أخرى تعتمد على الاستخبارات، مع استبعاد أي خيار للمناورة البرية أو التوغل العسكري في صنعاء ومحيطها.
وصرّح إيال بينكو، المسؤول الأمني السابق في الجيش الإسرائيلي، بأن هزيمة الحوثيين تمرّ عبر تصعيد عمليات جمع المعلومات والتجسس، خاصة أن الجيش الإسرائيلي يفتقر إلى موطئ قدم فعلي في الداخل اليمني.
تحول استراتيجي بعد 40 يومًا من التصعيد الحوثي
وحتى نوفمبر 2023، لم يكن اليمن أولوية لدى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية مثل: “الموساد” و”أمان”، لكن بعد مرور 40 يومًا على التصعيد الحوثي، طالب وزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان بتشكيل قنوات استخباراتية مباشرة في مناطق سيطرة الحوثي، بدعم من مستشار الأمن القومي السابق يعقوب أميدرور، الذي أقر بوجود “فجوة كبيرة في فهم حسابات الحوثيين”.
وكشفت ذا كرادل، نقلًا عن مصدر أمني، أن عمليات التجنيد بدأت باستقطاب يهود يجيدون اللهجات اليمنية لاستخدامهم كعملاء ميدانيين.
كما استُخدمت الإعلانات الرقمية، التي ظهرت أثناء تصفح مواقع التواصل، وتوعد بعضها بمكافآت تصل إلى مليون دولار مقابل معلومات عن قيادات حوثية أو دعم بحري.
وظهرت هذه الإعلانات أحيانًا من حسابات تابعة للموساد، وأحيانًا أخرى من صفحات رسمية أمريكية كوزارة الخزانة أو السفارات تحت غطاء “ضمان أمن الملاحة الدولية”.
الجواسيس يعودون كإعلاميين ومنظمات دولية
ووفق التقرير، نجح بعض الجواسيس المعتقلين في اجتياز الرقابة عبر الانضمام إلى منظمات تنموية أو وسائل إعلام، بعد تلقيهم تدريبات متقدمة في أوروبا.
وشملت مهامهم رصد المواقع العسكرية البحرية، وتوثيق البيانات التقنية عن الطائرات والصواريخ، ونقل إحداثيات الغارات، فضلًا عن تنفيذ عمليات تخريب واغتيال باستخدام أنظمة اتصالات مشفرة يصعب تتبعها.
الإعلام هدف للاختراق أيضًا
ولم يقتصر الاستهداف على البنية العسكرية، إذ تحدث صحفيون يمنيون عن تلقيهم دعوات مغرية من مؤسسات ثقافية ومنظمات غير حكومية، شملت ورش عمل واستطلاعات رأي تطرح أسئلة عن الانتماءات السياسية، أعقبتها عروض غير رسمية لتمويل تحقيقات موجهة.
ويعتمد نمط التجنيد على رسائل تأتي من أرقام أجنبية، بعضها يحمل رموز إسرائيلية أو أوروبية، وتنتحل صفات أكاديميين أو إعلاميين، وتستشهد بشخصيات محلية لبناء الثقة، وفي إحدى الحالات، طُلب من صحفيين إعداد تقارير مفصلة عن ميدان السبعين في صنعاء، تشمل نقاط التفتيش واستخدامات المباني والبنية التحتية للاتصالات.
أجهزة الحوثيين: آلاف الخلايا مفككة
وتدعي أجهزة الأمن التابعة للحوثيين أنها فككت أكثر من 1782 خلية تجسس، واعتقلت أكثر من 25 ألف شخص منذ 2015 بتهم التعاون مع استخبارات أجنبية.
وفي أحدث عملياتها، أعلنت عن ضبط خلية مشتركة بين وكالة المخابرات المركزية والموساد في محافظة صعدة، كانت تستهدف منشآت قيادة للطائرات المسيرة.
كما كشفت عن تفكيك “الوحدة 400” في مايو 2024، وهي شبكة تجسس أمريكية إسرائيلية على الساحل الغربي لليمن، متهمة باختراق الدفاعات وتحديد مواقع إطلاق الصواريخ الصنعانية.
وبينما تتصاعد الحرب في اليمن، لا تقتصر المعارك على السماء أو البحر، بل تمتد إلى جبهة خفية وأكثر تعقيدًا: الحرب الاستخباراتية، فالسباق نحو المعلومات أصبح السلاح الأكثر فاعلية في ظل استحالة المواجهة المباشرة، ما ينذر بفصل جديد من “حرب الظل” في قلب اليمن.