ذات صلة

جمع

العراق والعطش المزمن.. احتجاجات في بابل تكشف عمق أزمة المياه وتداعياتها الخطيرة

تفاقمت أزمة المياه في العراق مجددًا، لتدفع مئات المواطنين...

تصعيد حوثي في إب: اختطافات ممنهجة تطال النخب والوجهاء

اتهم وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني، معمر الأرياني، ميليشيا...

ما وراء المشهد.. هل طُويت صفحة الإخوان رسميًا في الأردن؟

أعلنت جمعية جماعة الإخوان المسلمين المرخصة في الأردن، حل...

العراق والعطش المزمن.. احتجاجات في بابل تكشف عمق أزمة المياه وتداعياتها الخطيرة

تفاقمت أزمة المياه في العراق مجددًا، لتدفع مئات المواطنين إلى الشوارع احتجاجًا على النقص الحاد في المياه وسط درجات حرارة خانقة، ما يعكس غضبًا شعبيًا يتزايد في مواجهة أزمة وجودية تتفاقم عامًا بعد آخر.

وشهدت محافظة بابل اليوم (الجمعة) تظاهرات حاشدة، خاصة في بلدة “المجرية”، حيث أقدم السكان على حرق الإطارات وقطع الطرق، مطالبين الحكومة بإجراءات عاجلة لإنقاذهم من العطش، بعدما انقطعت المياه تمامًا عن منازلهم منذ أكثر من شهر.

الأنابيب جفّت بالكامل

“ليس لدينا مياه منذ 35 يومًا”، هكذا صرخ سعدون الشمري (66 عامًا)، أحد المتظاهرين، متسائلًا كيف يمكن لأي أسرة أن تعيش في ظل هذا الانقطاع الكارثي، مؤكدًا أن “المعاناة ليست جديدة بل تتصاعد منذ سنوات”.

أما قحطان حسين، أب لأربعة أطفال، فقال: “هذا أبسط حقوقي كمواطن، لا أطالب بأكثر من الماء”، مضيفًا أن الأنابيب أصبحت فارغة تمامًا، ولا يستطيع تأمين مياه الشرب أو النظافة لعائلته.

جفاف تاريخي وتحذير رسمي

فيما حذرت وزارة الموارد المائية العراقية في بيان رسمي من أن “العام الحالي يُعد من أكثر الأعوام جفافًا منذ عام 1933”، مؤكدة أن الخزين المائي في البلاد لا يتجاوز 8% من طاقته القصوى، بانخفاض حاد يبلغ 57% مقارنة بالعام الماضي.

ويعود هذا التراجع الخطير إلى انخفاض كمية الأمطار وتراجع الإيرادات المائية القادمة من دول المنبع، أي تركيا وإيران، اللتين تتهمهما بغداد مرارًا بتقليص كميات المياه الواردة عبر نهري دجلة والفرات نتيجة بناء سدود ضخمة دون تنسيق أو اتفاق.

خطر حقيقي على الأمن المائي والزراعة

وبحسب الوزارة، فإن “استمرار تناقص الإيرادات المائية وعدم تعاون دول المنبع، سيُؤدي إلى تفاقم أزمة المياه، ويشكل خطرًا على الأمن المائي العراقي”، وهذه الأزمة لم تعد محصورة في مياه الشرب، بل امتدت لتضرب قطاع الزراعة الذي يعتمد بشكل شبه كامل على الأنهار.

وقد اضطر العديد من المزارعين في محافظات الجنوب مثل الديوانية إلى التوقف عن زراعة أراضيهم، بينما اتخذت الحكومة قرارًا بتقليص المساحات الزراعية لضمان مياه الشرب، في مشهد يعكس عمق التحدي البيئي والاجتماعي والاقتصادي.

نزيف المياه وصمت الجيران

وتتجدد الانتقادات للحكومتين التركية والإيرانية اللتين تنفذان مشاريع سدود تؤثر مباشرة على حصة العراق من المياه. وبرغم الشكاوى العراقية المتكررة، لم تُثمر المفاوضات حتى الآن عن حلول فاعلة.

وتقول تقارير إن تركيا عرضت حديثًا مقترحًا لتجديد اتفاقات التعاون في مجال المياه والطاقة، لكن لا توجد أي ضمانات بأن ذلك سيعيد للعراق تدفق الأنهار إلى مستويات مقبولة.

أزمة وجودية تحتاج إلى إنقاذ عاجل

لذا فالاحتجاجات في بابل والديوانية وسواهما من المحافظات ليست مجرد غضب عابر، بل إنذار صارخ لما قد يشهده العراق قريبًا إذا لم تُعالج أزمة المياه جذريًا، عبر خطوات داخلية تتضمن تحديث شبكات الري ومكافحة الهدر، وخارجية تتطلب ضغوطًا دبلوماسية حقيقية على دول المنبع.

وفي بلد يبلغ عدد سكانه أكثر من 46 مليون نسمة، ويعتمد بشكل رئيس على الأنهار في مياه الشرب والزراعة، فإن استمرار الجفاف وفقدان المياه قد يُطلق شرارة أزمة إنسانية شاملة، تمتد من العطش إلى الأمن الغذائي وربما إلى الاستقرار السياسي.

spot_img