أعلنت جمعية جماعة الإخوان المسلمين المرخصة في الأردن، حل نفسها طوعًا، في خطوة غير متوقعة وصفتها أوساط سياسية بأنها تجسد نهاية مرحلة الإسلام السياسي في المملكة الأردنية.
الجمعية، التي تأسست عام 2015 ككيان منشق عن الجماعة الأم غير المرخصة، أكدت في بيانها التزامها بـ”التوجهات الوطنية” وانسجامها مع “النهج المعتدل والدستور”، لتغلق صفحة امتدت لعقد كامل من محاولات الاندماج في المشهد السياسي تحت مظلة الشرعية القانونية.
البيان، الذي جاء بالتزامن مع تصعيد حكومي غير مسبوق ضد الجماعة الأم، أكد أن “أمن الوطن واستقراره وشرعية قيادته” هي المرجع في قرارات الجمعية، ما اعتبر إشارة واضحة لتباعدها الكامل عن نهج الجماعة الأصلية وتيارها السياسي.
تصعيد حكومي وإنهاء للهامش
الخطوة جاءت في سياق تصعيد حكومي بدأ في أبريل الماضي، حين صنفت الحكومة الأردنية جماعة الإخوان كـ”جمعية غير مشروعة”، وشرعت في مصادرة ممتلكاتها ومقراتها، وسط تحذيرات من أي إعادة تموضع تنظيمي عبر واجهات بديلة.
الإجراءات عكست تغيرًا جذريًا في سياسة الدولة تجاه الجماعة، بعد سنوات من التسامح الحذر والتعامل الأمني والسياسي المرن.
بحسب محللين، فإن ما جرى هو “إغلاق نهائي للهامش الذي طالما استغلته الجماعة”، خاصة بعد اكتشاف صلات بين بعض عناصرها وملفات أمنية تتعلق بتجنيد أفراد وتصنيع أسلحة داخل البلاد.
وفي قلب هذا التحول، يبدو أن حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية للجماعة، بات في مواجهة مباشرة مع السلطات.
التحقيقات الجارية بشأن دعم مالي محتمل تلقاه الحزب من الجماعة المحظورة خلال الانتخابات الأخيرة، التي أوصلت 31 نائبًا محسوبًا عليه إلى البرلمان، زادت من التوجس الرسمي.
مصدر رسمي أردني كشف في تصريحات إعلامية، أن السلطات “حسمت أمرها” بإغلاق صفحة الجماعة نهائيًا، مرجحًا اتخاذ خطوات قانونية حاسمة بحق الحزب، قد تصل إلى تجميد نشاطه أو حله، إذا ثبتت علاقته بملفات أمنية أو تمويل غير مشروع.
ملفات تمويل وتسريبات أمنية
وبحسب تحقيقات رسمية، فإن الجماعة جمعت نحو 30 مليون دينار أردني (42 مليون دولار) خلال الأعوام الماضية، استُخدم جزء منها في تمويل نشاطات سياسية وخلايا أُحيلت للقضاء.
وبرزت خلال الأسابيع الماضية قضايا توقيف نائبين من الحزب؛ أحدهما بتهمة تهريب مستندات سرّية، والآخر بسبب محتوى داعم للجماعة، ما زاد من ضغوطات الحكومة نحو تشديد الرقابة القانونية والسياسية.
في ظل كل هذه التطورات، تبدو الدولة الأردنية حازمة في موقفها تجاه الجماعة وأذرعها السياسية، خاصة مع تصاعد الأصوات البرلمانية التي تطالب بتوسيع التحقيقات وحظر الحزب باعتباره امتدادًا لتنظيم محظور ومتورط في قضايا تمس الأمن الوطني.
وبينما تراهن بعض قيادات الحزب على تراجع الحكومة عن إجراءاتها، فإن السياق العام يشير أن الأردن ماضي نحو طي صفحة الإخوان بشكل نهائي، في إطار سياسة “الحسم بدل الاحتواء”، وسط تغيرات محلية وإقليمية أطاحت ببريق الإسلام السياسي، وفرضت واقعًا سياسيًا جديدًا لا مكان فيه للشعارات القديمة.