يواصل حزب الله تمسكه بسلاحه، رافضًا أي دعوات داخلية أو خارجية لتسليمه، حتى في حال انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، الموقف جاء بعد أن أبلغ الجناح العسكري للحزب رئيس مجلس النواب نبيه بري بشكل مباشر أن نزع سلاحه غير وارد، بل وأكد استعداده للمواجهة في حال قررت الدولة اللبنانية الذهاب نحو هذا الخيار.
الموقف الحاسم من الحزب يأتي في وقت تشهد فيه الساحة اللبنانية محاولات دبلوماسية مكثفة للوصول إلى تسوية تُنهي حالة ازدواجية السلاح، وتحصر استخدام القوة بيد الدولة.
إلا أن موقف حزب الله، وفق ما وصفته دوائر رسمية، يُعقّد المشهد ويفتح الباب أمام توتر داخلي محتمل.
استياء رسمي وتصاعد التوتر داخل مؤسسات الدولة
في أروقة الحكم اللبناني، يسود نوع من الامتعاض الواضح من موقف الحزب، والذي تعتبره جهات حكومية ورئاسية أنه يمثل عرقلة للجهود الوطنية والدولية لاستعادة هيبة الدولة وتفعيل المؤسسات الأمنية الرسمية.
هناك شعور متزايد بأن الحزب يضيع “فرصة تاريخية” قد تفتح باب العودة إلى الحضن العربي والدولي، خاصة مع وجود نوايا جدية لدى الدولة اللبنانية للمضي قدمًا في تنفيذ قرار “حصرية السلاح” بيد القوات النظامية.
وتشير أوساط قريبة من رئاسة الجمهورية والحكومة، أن لبنان قد يكون أمام مرحلة حاسمة، عنوانها “إما الدولة أو الدولة داخل الدولة”، في إشارة إلى إصرار الحزب على الاحتفاظ بترسانته العسكرية خارج الإطار الرسمي.
زيارة أميركية حاسمة دون ضمانات
في هذا السياق، جاءت زيارة المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس براك، إلى بيروت، الثالثة في أقل من شهرين، لتسلم الرد اللبناني على الورقة الأميركية التي تضمنت تصورًا متكاملًا حول تنفيذ قرار حصر السلاح بيد الدولة.
إلا أن براك، وفي تصريحات أعقبت لقاءاته الرسمية، شدد على أن بلاده لا تقدم ضمانات ولا تملك القدرة على إرغام إسرائيل على الانسحاب.
واعتبر أن مسألة نزع سلاح حزب الله تبقى لبنانية بامتياز، مؤكدًا دعم واشنطن للبنان إذا قرر السير بهذا الاتجاه.
هذا التوجه الأميركي يضع الكرة مجددًا في ملعب الدولة اللبنانية التي سلمت براك مذكرة شاملة تؤكد التزامها بالاتفاقات السابقة، لكنها – بحسب مصادر رسمية – لم تتضمن جدولًا زمنيًا واضحًا أو خطوات عملية قابلة للتنفيذ.
مذكرة لبنانية ومطالب متبادلة
الرئيس اللبناني جوزيف عون قدم للمبعوث الأميركي ما سمّي “بمشروع المذكرة الشاملة”، والتي تستند إلى اتفاق وقف الأعمال العدائية الموقع في نوفمبر الماضي، إضافة إلى البيان الوزاري للحكومة اللبنانية.
وقد تضمنت المذكرة، وفق التسريبات، تأكيد الدولة اللبنانية على نيتها تنفيذ التعهدات المتعلقة بحصر السلاح، لكنها اشترطت حصول انسحاب تدريجي إسرائيلي من الأراضي اللبنانية.
الدولة اللبنانية طالبت أيضًا بأن تقوم واشنطن بالضغط على إسرائيل لتنفيذ هذا الانسحاب، ما من شأنه تسهيل مهمة التفاوض مع حزب الله بشأن تسليم سلاحه، في وقت تصر فيه الولايات المتحدة على إنهاء هذا الملف قبل نهاية العام.
انقسام وطني وقلق من القادم
رغم اللغة الدبلوماسية التي تُستخدم في العلن، يتزايد خلف الكواليس الانقسام الوطني حول الملف، وسط تخوفات من تفاقم الأزمة الداخلية.
فبينما تسعى بعض الأطراف لإرساء سيادة الدولة وسحب فتيل السلاح غير الشرعي، يتمسك حزب الله بموقفه الرافض، ما يفتح الباب أمام سيناريوهات ضبابية يصعب توقع نتائجها.