تدخل إسرائيل مرحلة سياسية حساسة قد تعيد رسم مستقبلها القريب، وسط مؤشرات متزايدة على تفكك الائتلاف الحاكم بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، واحتمالية التوجه إلى انتخابات مبكرة، وبينما تتسارع الأحداث في الداخل الإسرائيلي، تلوح في الأفق شخصية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كلاعب خارجي يمكن أن يُنقذ أو يُنهي مسيرة نتنياهو السياسية.
ترامب.. المنقذ المحتمل أم عبء اللحظة الأخيرة؟
ففي تحليل نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، وصفت الشهور المقبلة بأنها “حاسمة” لمصير نتنياهو، معتبرة أن قبضته على السلطة بدأت تتفكك، فيما يتقلص هامش المناورة أمامه بسرعة.
ووفق المجلة، فإن الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب سيلعب دورًا حاسمًا في تحديد مصير نتنياهو، لكن هذا الدور لا يخلو من التعقيد، إذ لا يُعرف بعد إن كان ترامب سيكون داعمًا لنتنياهو في مساعيه للتمسك بالسلطة، أم سيتخلى عنه لصالح ترتيبات أكثر نفعًا للمصالح الأمريكية والإقليمية.
فرغم الدعم المكثف الذي قدمه ترامب سابقًا لنتنياهو، بدءًا من سياسة الضغط القصوى على إيران، وصولًا إلى الدعم السياسي والعسكري خلال حرب غزة، إلا أن “فورين بوليسي” تشير إلى أن العلاقة بين الرجلين “براغماتية، متقلبة، وتحكمها الحسابات الظرفية”.
ومع أن نتنياهو يمثل شخصية “مألوفة” لترامب، إلا أن الأخير قد يفضل “الشيطان الذي يعرفه على الشيطان الذي لا يعرفه، فقط إذا لم يكن هناك بديل أفضل”.
ومع قرب انتخابات الرئاسة الأمريكية في 2026، ينتظر ترامب من نتنياهو أن يرد الجميل بالانخراط الفعال في مسار توسيع اتفاقيات التطبيع مع دول عربية جديدة، في محاولة لتعزيز إنجازاته في السياسة الخارجية.
ائتلاف نتنياهو على حافة الانهيار.. أزمة تجنيد الحريديم تفجر الحكومة
وفي الداخل الإسرائيلي، تواجه حكومة نتنياهو ـ وهي الأكثر يمينية في تاريخ الدولة العبرية ـ تحديات غير مسبوقة تهدد بقائها حتى موعد الانتخابات الرسمية في أكتوبر 2026، فقد دخلت الحكومة، التي تضم مزيجًا من الليكود والأحزاب الحريدية والقوميين المتطرفين، في أزمة حادة بسبب قانون تجنيد اليهود الحريديم، الذين يرفضون أداء الخدمة العسكرية ويطالبون بإعفائهم الكامل.
وفي تطور لافت، استقال وزيران من الأحزاب الحريدية الأسبوع الماضي بسبب فشل التوافق على القانون، ما أدى إلى تحول الحكومة إلى أقلية برلمانية بحيازة 50 مقعدًا فقط من أصل 120 في الكنيست، ومع دخول البرلمان الإسرائيلي في عطلة صيفية تبدأ في 27 يوليو الجاري وتستمر ثلاثة أشهر، فإن نتنياهو آمن مؤقتًا، لكنه يواجه خطر الانهيار مع عودة الكنيست في الخريف.
انتخابات مبكرة تلوح في الأفق.. هل يُطلق نتنياهو حملته في 2026؟
وبحسب “فورين بوليسي”، فإن نتنياهو الذي يُعرف بمهاراته السياسية المتشبثة بالبقاء، يستعد لبدء حملته الانتخابية مبكرًا، وربما في أوائل عام 2026، ويراهن على استعادة الشعبية وتحصين تحالفه بدعم من ترامب، رغم أن العلاقة بينهما توترت في الشهور الستة الماضية.
ويُشار أن النظام السياسي في إسرائيل معروف بعدم الاستقرار؛ فمتوسط عمر الحكومات لا يتجاوز 1.9 سنة، وقد توجه الإسرائيليون إلى صناديق الاقتراع أكثر من أي دولة أخرى في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية خلال العقود الأخيرة.
شعبية ترامب في إسرائيل… ورقة ضغط محتملة
ولكن المفارقة أن ترامب يتمتع بشعبية لافتة في أوساط الإسرائيليين، بخلاف نظرائه في الدول الغربية الأخرى، فقد أظهر استطلاع حديث أجراه مركز بيو للأبحاث، أن 69% من الإسرائيليين ينظرون إليه بإيجابية، ما يمنحه تأثيرًا محتملًا على الرأي العام والسياسيين في تل أبيب، ويجعل موقفه من نتنياهو أكثر أهمية من مجرد تعبير دبلوماسي.
وفي هذا السياق، ترى “فورين بوليسي”، أن نتنياهو يراهن على استثمار هذا القبول الشعبي لترامب لتحقيق مكاسب سياسية داخلية، على أمل أن يلعب الرئيس الأمريكي دور “المُسعف” لحكومته المتداعية.
بين دعم الخارج وسقوط الداخل… مصير نتنياهو معلق
وفي ضوء الأزمات السياسية الداخلية التي تضرب حكومة نتنياهو، ومع تعقيدات العلاقة مع ترامب، يصبح السؤال ملحًّا: هل يكون ترامب خشبة الخلاص لنتنياهو أم هو من يدفعه نحو الخروج؟
وقد يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي للبقاء حتى 2026، لكن الواقع السياسي المتقلب في إسرائيل، والتطورات الإقليمية المتسارعة، والدور الأمريكي المحتمل، تفتح الباب أمام سيناريوهات مفتوحة قد تنتهي بـسقوط نتنياهو برغبة داخلية أو دفع خارجي.