في وقتٍ تعاني فيه اليمن من أزمة إنسانية خانقة، تقف مليشيا الحوثي الإرهابية على رأس منظومة اقتصادية موازية تمتص ما تبقى من قدرات البلاد المالية، وتحول عائدات النفط والغاز إلى أدوات لتمويل الحرب وبسط النفوذ.
وكشفت الحكومة اليمنية، أن المليشيا تجني سنويًا ما يقرب من 3 مليارات دولار من عمليات استيراد وبيع المشتقات النفطية، إلى جانب فرض رسوم جمركية وضريبية باهظة على البضائع والوقود المستورد.
هذه الإيرادات، التي لا تمر عبر المؤسسات الرسمية للدولة، توظفها المليشيات في تغذية ما تسميه “المجهود الحربي”، عبر شراء الأسلحة، ودفع رواتب المقاتلين، وتمويل حملات التجنيد القسري للأطفال، فضلًا عن رعاية شبكات تهريب وعمليات إرهابية تهدد الملاحة الإقليمية والدولية.
احتكار الحديدة.. بوابة أرباح غير مشروعة
منذ سيطرتها على ميناء الحديدة، عملت المليشيات الحوثية على احتكار كامل لعمليات استيراد المشتقات النفطية، فارضة رسومًا تصل إلى 120 دولارًا على الطن الواحد.
وهذا الاحتكار مكنها من جني أكثر من 374 مليون دولار خلال عام ونصف فقط، من واردات البنزين وحدها، بحسب تقديرات رسمية.
وتظهر التقارير، ٢أن المليشيات لا تكتفي بفرض الضرائب، بل تفتعل أزمات وقود بين الحين والآخر، لتُعيد بيع المشتقات بأسعار مضاعفة عبر السوق السوداء، وهو ما أدى إلى انفجار الأسعار في مناطق سيطرتها، مقارنةً بالمناطق المحررة الخاضعة للحكومة الشرعية.
إيران في العمق.. تهريب منظم وبصمات إقليمية
ولا تتوقف قصة عائدات الحوثيين عند فرض الضرائب فقط، بل تمتد إلى عمليات تهريب منظمة عبر البحر الأحمر، تشارك فيها إيران عبر شحنات نفط وغاز مجانية تقدر بما يعادل نصف واردات الجماعة.
ووفقًا لبيانات رسمية، تم تهريب أكثر من ملياري لتر من الوقود من إيران إلى اليمن بين أبريل 2022 وأغسطس 2023، بيعت في السوق السوداء محققة أكثر من 1.5 مليار دولار ذهبت مباشرة لخزائن المليشيات.
هذا الارتباط المالي بين طهران والحوثيين يعكس مستوى الخطر العابر للحدود الذي تشكله الجماعة، خاصة مع استخدامها لهذه العائدات في تنفيذ هجمات إرهابية تستهدف الملاحة البحرية وخطوط التجارة الدولية.
السوق السوداء.. سلاح داخلي للتجويع والهيمنة
سياسة الاحتكار والتلاعب بالأسعار لم تكن سوى أحد أذرع الحرب الاقتصادية التي تمارسها المليشيا بحق اليمنيين.
في مناطق سيطرتها، يبلغ سعر لتر الوقود أكثر من 450 ريالًا يمنيًا، مقارنةً بـ 300 في المناطق المحررة، فيما تصل أسطوانة الغاز إلى 13 دولارًا مقابل 3.4 دولار فقط في المناطق الخاضعة للحكومة.
الفارق الشاسع في الأسعار لا يعكس سوى هيمنة المليشيا على السوق، وافتعالها لأزمات تموينية، تسببت في إغلاق مصانع ومزارع، وارتفاع غير مسبوق في البطالة والفقر، ما أدى إلى انهيار المنظومة الاقتصادية المحلية وزيادة المعاناة اليومية للمواطنين.
وقد تحولت تجارة الوقود في اليمن إلى أداة بيد المليشيا الحوثية لإفقار الشعب وتمويل آلة الحرب، في سلوك يحمل تبعات خطيرة على الأمن الإقليمي والدولي.
ومع تزايد الأدلة على تورط المليشيا في شبكات تهريب بحرية وتجارة موازية غير مشروعة، بات المجتمع الدولي مطالبًا باتخاذ إجراءات صارمة.