كشفت صحيفة جيروزاليم بوست عن إقامة الجيش الإسرائيلي موقعًا عسكريًا وصفته بـ”السري” شمال قطاع غزة، أطلق عليه اسم “إسرائيلا”، في خطوة تأتي ضمن استراتيجية دفاعية جديدة تهدف إلى منع تكرار هجوم مشابه لما جرى في 7 أكتوبر 2023، حين اجتاحت كتائب القسام مستوطنات الغلاف.
ويُعد هذا الموقع جزءًا من سلسلة منشآت عسكرية متقدمة في محيط بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا، صُمّمت لتوفير رؤية استراتيجية، وردع أي هجمات برية محتملة.
“إسرائيلا”.. موقع عسكري رمزي وتكتيكي
وبحسب المصادر العسكرية، يتميز الموقع الجديد بموقع مرتفع يسمح بالمراقبة بعيدة المدى داخل عمق قطاع غزة، وتعزيز القدرة على التدخل السريع ضد أي تحركات مفاجئة لحماس أو الفصائل المسلحة.
كما أنه رسالة ردعية رمزية تعكس إصرار إسرائيل على البقاء قرب حدود غزة في المرحلة المقبلة، حتى في ظل توقف العمليات الكبرى.
لكن رغم البناء والتحصين، أقر عدد من الجنود العاملين في الموقع بأن مستقبل انتشارهم “مجهول سياسيًا”، في ظل الأحاديث عن اتفاقات تهدئة أو وقف لإطلاق النار قد تُجبر الجيش على الانسحاب بشكل مفاجئ، في قرار لا يخضع لتقديرهم العسكري المباشر.
استراتيجية ميدانية وسط واقع سياسي متقلب
وتأتي هذه التحركات وسط مؤشرات عن تغيّرات ميدانية واستراتيجية في قطاع غزة، حيث أعلنت مصادر عسكرية أن معظم الأنفاق الكبيرة التابعة لحماس قد دُمّرت، بما في ذلك تلك المستخدمة لتصنيع الأسلحة أو كمقار للقيادة والسيطرة.
وتقتصر الأنفاق المكتشفة حديثًا، وفق التقارير، على أنفاق تكتيكية صغيرة تهدف للمناورة أو الهروب، دون قدرة هجومية كبيرة، فالتدمير الواسع للبنية التحتية في المناطق الحدودية، بما فيها هدم مبانٍ سكنية بالكامل، أدى إلى تقلص قدرة حماس على التحرك فوق الأرض دون رصد.
هل تستعد إسرائيل للبقاء طويلًا في غزة؟
ويعتبر إنشاء موقع “إسرائيلا” أمر لا يُمكن قراءته بمعزل عن تحولات عسكرية واستراتيجية داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، فهناك توجه لبناء “جبهة أمامية جديدة” بعد الانكشاف الأمني الكبير في 7 أكتوبر، يعزز من حضور الجيش داخل أو قرب القطاع، حتى في حال التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار.
كما يعكس رفضًا ضمنيًا داخل المؤسسة العسكرية لفكرة الانسحاب الكامل دون ضمانات أمنية ميدانية، لكن ذلك يتعارض مع الضغط الأميركي والدولي المتزايد على الحكومة الإسرائيلية لإيجاد خطة خروج واضحة من غزة، وعدم التورط في احتلال دائم قد يُثقل كاهل الدولة سياسيًا واقتصاديًا.
ويعد إنشاء قاعدة “إسرائيلا” في شمال غزة تحركًا رمزيًا وتكتيكيًا يعكس أزمة الثقة الأمنية العميقة التي تعاني منها إسرائيل منذ هجوم 7 أكتوبر، ويُظهر رغبة في استعادة الردع عبر بناء مواقع متقدمة قرب حدود القطاع، لكن المفارقة الكبرى تكمن في هشاشة هذه المواقع سياسيًا، إذ يمكن أن تُهدم أو تُهمل في حال جرى التوصل إلى تسوية أو انسحاب جديد.