أثارت وثائق مسرّبة حالة من الغليان السياسي والأمني في تونس، بعد أن كشفت عن ما وصف بأنه مخطط خطير تقوده حركة النهضة – الذراع السياسية لجماعة الإخوان – يستهدف اغتيال الرئيس قيس سعيد، وإعادة السيطرة على مفاصل الدولة عبر تحركات ميدانية وتنظيمات موازية.
التسريبات، التي وُصفت بأنها حساسة للغاية، تتزامن مع فترة دقيقة تمر بها البلاد، مع اقتراب صدور الأحكام النهائية في قضايا التآمر على أمن الدولة، ما يمنح هذا الملف أبعادًا غير مسبوقة منذ الإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو 2021.
مؤامرة مكتوبة بخط اليد
الوثائق التي تم تداولها على نطاق واسع تضمنت ما وُصف بتوجيهات صريحة من رئيس الحركة راشد الغنوشي، جاء فيها – بخط اليد – أن “استمرار الوضع الحالي مرهون ببقاء الرئيس حيًا”، وهي عبارة اعتبرها مراقبون دليلاً مباشرًا على نوايا تصفية جسدية، خاصة في ظل سياق أمني محتقن وتصريحات متكررة من قيادات النهضة تلوّح بـ”التحرك الشعبي”.
التعليمات المرفقة بالوثائق أشارت أيضًا إلى خطة لتأسيس ما أسمته الحركة “تنظيمًا دعويًا ميدانيًا”، يستهدف فئات مهمشة من المجتمع كالعاطلين عن العمل والنساء وكبار السن، ويُكلّف بممارسة ضغط جماهيري موجه لإسقاط النظام من الداخل.
خيار السلاح والتنظيم الموازي
الوثائق المسربة تضمنت أيضًا بنودًا تتحدث عن استعداد الحركة للجوء إلى استخدام السلاح “إذا لزم الأمر”، إلى جانب التنسيق مع عناصر متشددة لخلق حالة من الفوضى الأمنية المتزامنة مع خطاب تعبوي ديني يُصوّر الصراع على أنه معركة “هوية” و”إيمان”.
كما ورد في التسريبات تصوّر متكامل لـ”حكومة ظل” تُدار من خارج المؤسسات الرسمية، ما يعكس محاولات لإحياء نماذج إخوانية سبق أن طبقت في دول عربية أخرى، وانتهت بكوارث أمنية وانهيارات سياسية.
تداعيات سياسية وقضائية مرتقبة
تزامن نشر هذه الوثائق مع تسارع الأحداث داخل المحاكم التونسية، حيث ينتظر صدور أحكام حاسمة في قضايا تتعلق بتآمر على أمن الدولة، وملفات تسفير واغتيالات سابقة.
وتعد هذه الوثائق – في حال ثبوتها أمام القضاء – نقطة تحول قد تفضي إلى تصنيف حركة النهضة كتنظيم إرهابي محظور قانونيًا.
من جانب آخر، تشهد الساحة البرلمانية دعوات متزايدة لحظر الحركة بشكل نهائي، وسط اتهامات لها بتقويض الدولة، والعبث بمؤسساتها، والتخطيط لانقلاب ناعم يتستر بخطاب ديني وشعارات اجتماعية.
صراع وجودي لا خلاف سياسي
يرى مراقبون، أن هذه التطورات لا تُفهم في سياق الخلاف السياسي العادي، بل تعكس صراعًا وجوديًا بين مشروع الدولة الوطنية، ومشروع موازي تسعى إليه جماعة الإخوان عبر ما يعرف بـ”التمكين التدريجي”، الذي يبدأ باختراق المساجد والمؤسسات الاجتماعية، وينتهي بمحاولة الانقضاض على السلطة.
وبينما تتحدث الوثائق عن تحركات ممنهجة لاستغلال الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، تبدو الدولة التونسية أكثر صلابة في التصدي لهذه المخططات، بدعم من وعي شعبي متزايد، يرفض العودة إلى الوراء أو السماح بإعادة إنتاج التجربة الإخوانية السابقة في ثوب جديد.