كشف صحيفة هآرتس العبرية، أن فكرة اتفاق التطبيع بين إسرائيل وسوريا التي يروج لها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ليست بالسهولة التي يتصورها الكثيرون، خاصة مع تصاعد التشدد الإسرائيلي بعد هجمات 7 أكتوبر، وصعود الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، الذي يواجه قاعدة شعبية متشككة في أي اتفاق مع تل أبيب.
ترامب يراهن على «صفقة سلام» جديدة قبل نهاية العام
ومع اقتراب نهاية 2025، يسعى ترامب إلى تحقيق إنجاز دبلوماسي كبير في الشرق الأوسط، بإبرام اتفاق التطبيع بين إسرائيل وسوريا.
وأكد المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، في تصريحات لشبكة “سي إن بي سي”، أن واشنطن تأمل في تطبيع العلاقات مع عدة دول لم يكن من المتصور انضمامها إلى دائرة السلام.
وأشار إلى “إعلانات مهمة” قد تصدر قريبًا، معتبرًا أن هذا التطبيع سيكون “عامل استقرار في الشرق الأوسط”.
عوائق معقدة.. الجولان والتوغلات الإسرائيلية
ورغم التفاؤل الأمريكي، تواجه جهود ترامب تحديات كبيرة، أبرزها ملف مرتفعات الجولان، إذ سبق أن اعترف ترامب بسيادة إسرائيل عليها خلال ولايته الأولى، واعتبر ذلك إنجازًا بارزًا في حملته الانتخابية لعام 2024.
أما العائق الثاني يتمثل في التوغلات الإسرائيلية في جنوب غرب سوريا، خاصة بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، ما أوجد انقسامات حادة بين تل أبيب ودمشق حول مستقبل المناطق الحدودية.
الأولويات الأمنية الإسرائيلية تهدد مسار التفاوض
وبحسب “هآرتس”، تعطي إسرائيل الأولوية لأمنها القومي على حساب أي مبادرات دبلوماسية، حتى لو جاءت من أقرب حلفائها في واشنطن، فقد عززت إسرائيل هذه المقاربة عقب حربها مع إيران، وهجماتها على وكلاء طهران في لبنان وسوريا، وهو ما اعتبرته تل أبيب ضروريًا لضمان أمنها الداخلي.
ورأت الصحيفة العبرية، أن رغبة ترامب في الفوز بجائزة نوبل للسلام لن تكون كافية لدفع إسرائيل إلى التوقيع على اتفاقيات عدم اعتداء أو ترتيبات أمنية مع سوريا.
حوار هادئ رغم الغضب الإقليمي
ورغم الغضب الإقليمي المتزايد بسبب الأوضاع في غزة وإيران، تواصل إسرائيل وسوريا حوارًا هادئًا، وسط ضغوط داخلية في دمشق نتيجة التوغلات الإسرائيلية.
وأوضح مبعوث ترامب إلى سوريا، توم باراك، لوكالة الأناضول، أن الشرع مهتم بضمان السلام على الحدود، بينما ترغب إسرائيل في الشيء ذاته، ما يفتح الباب أمام حوار سري حول قضايا حدودية بسيطة قد يتطور لاحقًا إلى اتفاق أوسع.
هل تُقنع إسرائيل الشرع وقاعدته الشعبية؟
فيما تواجه القيادة السورية الجديدة صعوبة في تسويق أي اتفاق تطبيع داخليًا، خاصة مع تزايد استياء القاعدة الشعبية التي تعتبر إسرائيل “عدوًا تاريخيًا”، كما حذرت “هآرتس” من أن الاستمرار في فرض النفوذ الإسرائيلي قد يُفشل المفاوضات، ويدفع الشرع إلى التراجع خوفًا من فقدان الدعم الشعبي.
وفي المقابل، يخشى ترامب من انعكاس هذا الفشل على صورته، خصوصًا مع تذبذب مواقفه تجاه إسرائيل، وتناقض تصريحاته بين الدعم العسكري والتلويح بملاحقات قضائية ضد بنيامين نتنياهو.
هل ينجح ترامب في صناعة سلام تاريخي جديد؟
وحتى اللحظة، يبدو أن اتفاق التطبيع بين إسرائيل وسوريا يواجه طريقًا وعرًا، رغم جهود إدارة ترامب المكثفة، وإذا نجح ترامب في تجاوز العقبات، فقد يسجل إنجازًا تاريخيًا يضاف إلى إرثه السياسي، أما إذا فشل، فقد تتحول هذه المحاولة إلى عبء سياسي يلاحقه داخليًا وخارجيًا.
وفي ظل هذه الحسابات المعقدة، يبقى السؤال الأهم: هل ستنتصر مقاربة المصالح الأمنية الإسرائيلية أم طموحات ترامب الدبلوماسية؟ وكيف ستستجيب دمشق لضغوط القاعدة الشعبية؟ هذه التساؤلات ستحدد مصير التطبيع في المرحلة المقبلة، وتعيد رسم ملامح العلاقة الإقليمية في الشرق الأوسط.