مع تصاعد المواجهة المفتوحة بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل في يونيو 2025، بدأت مؤشرات جديدة تلوح في الأفق حول إعادة ترتيب تحالفات طهران في العمق الإفريقي، وتحديدًا في السودان، فمع تنامي النفوذ العسكري الإيراني داخل الخرطوم وتدفق الدعم العسكري للجيش السوداني، تزداد التساؤلات حول ما إذا كانت طهران بصدد إعادة رسم خريطة الدعم العسكري في هذا البلد الذي يشهد حربًا أهلية طاحنة.
دعم إيراني “غير معلن” يتحول إلى تحالف استراتيجي
ومنذ أواخر عام 2023، بدأت إيران في ترسيخ وجودها العسكري داخل السودان عبر قنوات غير مباشرة، حيث كشفت تقارير استخباراتية ومصادر ميدانية عن شحنات عسكرية شملت طائرات مسيّرة من طراز “مهاجر-6”، وأجهزة مراقبة متطورة، وصلت إلى الجيش السوداني عبر مطار بورتسودان.
ووفقًا لمصادر عسكرية مطلعة، فإن هذا الدعم لعب دورًا محوريًا في تمكين القوات المسلحة السودانية من استعادة مناطق استراتيجية مثل: أم درمان ووادي مدني من قبضة قوات الدعم السريع.
ورغم أن الخرطوم رفضت رسميًا إقامة قاعدة بحرية إيرانية على أراضيها، فإن النشاط الإيراني في البحر الأحمر عبر الموانئ السودانية بات مقلقًا لبعض القوى الإقليمية، خصوصًا مع تزايد الحديث عن تعاون استخباراتي ونقل تقنيات متقدمة في مجال الطائرات المسيّرة والرصد الإلكتروني.
التصعيد في إيران.. هل هو بداية لمرحلة جديدة من التمدد؟
وفي خضم الغارات الجوية التي استهدفت منشآت نووية إيرانية خلال يونيو الجاري، وما تبعها من ردود صاروخية إيرانية على إسرائيل، بدا أن طهران بدأت بتوسيع ساحات المواجهة السياسية والعسكرية إلى ما هو أبعد من الخليج وبلاد الشام.
وتُعد السودان، من وجهة نظر طهران، ساحة واعدة لحصد مكاسب استراتيجية جديدة، سواء لقطع طرق الدعم الخليجي لقوات الدعم السريع، أو لبناء منصة نفوذ إقليمي في قلب إفريقيا.
ويرى محللون، أن هذه الخطوة تمثّل امتدادًا لاستراتيجية إيرانية قديمة في التمدد “اللامباشر” في الدول المتنازعة، باستخدام أدوات القوة العسكرية الناعمة، والتقنيات الاستخباراتية، وتقديم خدمات لا يستطيع خصوم طهران الإقليميون مجاراتها فيها.
وفي ظل تراجع الحضور الخليجي لصالح قوات الدعم السريع، باتت طهران تقدم نفسها كحليف تقني وميداني فعّال للجيش السوداني.
إعادة صياغة خريطة الدعم العسكري
وبدأت التغييرات على الأرض تترجم في موازين القوى، فالجيش السوداني، الذي عانى من ضعف التسليح والتقنيات في الأشهر الأولى للحرب الأهلية، بدأ يتحوّل إلى طرف فاعل في ساحة المعركة بفضل ما يصفه البعض بـ”الدعم الإيراني المؤثر”.
ويشمل هذا الدعم طائرات استطلاع مسيّرة، وأجهزة تشويش إلكتروني، بالإضافة إلى تطوير قدرات الرصد الجوي وتنسيق الضربات البرية.
وبالمقابل، بدأ النفوذ الإماراتي والسعودي، الداعمين لقوات الدعم السريع، يشهد نوعًا من التراجع، نتيجة تغير التوازنات الميدانية، وتضاؤل فعالية الدعم الجوي غير المباشر، كما دخلت أطراف أخرى على الخط، مثل روسيا وتركيا، عبر تفاهمات جزئية مع الجيش السوداني، ما يُعيد تشكيل التحالفات العسكرية في البلد المنهك بالحرب.
أهداف إيرانية تتجاوز الخرطوم
ولا يمكن فصل هذا التحول عن الأهداف الاستراتيجية الأوسع لإيران في منطقة البحر الأحمر، فمن خلال بورتسودان، تسعى طهران لبسط نفوذها على واحد من أهم الممرات البحرية العالمية، بالتوازي مع مساعيها في اليمن، وجيبوتي، وساحل إريتريا.
ويبدو أن السودان، بالنسبة لإيران، ليس مجرد ساحة نفوذ بديلة، بل جزءًا من خطة أكبر لضمان عمق بحري وجغرافي يخدم المواجهة المفتوحة مع واشنطن وتل أبيب.
ومن جهة أخرى، يوفر السودان لطهران فرصة ذهبية لاختبار قدراتها العسكرية خارج حدودها، وتصدير تكنولوجيا الطائرات المسيّرة والتشويش الإلكتروني في ميدان فعلي، دون المخاطرة بمواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة على أراضيها.
نفوذ إيراني يتمدد.. وتحالفات تتغير
وتشير المعطيات الميدانية والسياسية، أن التصعيد الإيراني الأخير لم ينعكس فقط على جبهة الشرق الأوسط، بل ألقى بظلاله على قلب إفريقيا، وبات واضحًا أن خريطة الدعم العسكري في السودان تُعاد صياغتها من جديد، حيث تحل طهران تدريجيًا محل الفاعلين الخليجيين السابقين، بينما يقف الجيش السوداني مستفيدًا من هذا التحوّل.
وإذا ما استمر هذا التوجه، فإن السودان قد يتحول في السنوات القادمة إلى قاعدة انطلاق إيرانية في العمق الإفريقي، تشكّل نقطة ارتكاز استراتيجية في مشروع طهران للتمدد عبر البحر الأحمر نحو إفريقيا الوسطى.