جاء القرار الإسرائيلي بضرب المنشآت الإيرانية في لحظة نادرة من التقاء العوامل السياسية والعسكرية والإقليمية، تزامنًا مع لحظة ضعف غير مسبوقة تمر بها طهران.
بعد سنوات من التخطيط والتأهب، بدا أن إسرائيل ترى المشهد الإقليمي يتحول لصالحها، حيث حزب الله تحت الضغط، العقوبات تزداد وطأتها على طهران، والمجتمع الدولي يضيق الخناق على برنامج إيران النووي.
وفي الخفاء، اجتمعت القيادات الأمنية والسياسية الإسرائيلية، ووضعت على الطاولة خياراً طالما تم التلويح به، لكنه لم يفعل بشكل مباشر، ضرب العمق الإيراني.
لم يكن القرار وليد رد فعل لحظي، بل خلاصة تقديرات طويلة توصلت إلى أن تأجيل المواجهة قد يمنح طهران الوقت لاستكمال قفزتها النووية.
الهجوم في التوقيت الأخطر
واختارت إسرائيل التوقيت بعناية، ففي أكتوبر جاء الرد الإسرائيلي على الهجوم الصاروخي الواسع الذي شنّته إيران، عبر استهداف دقيق لمنشآت الدفاع الجوي ومراكز إنتاج الصواريخ.
الضربات الإسرائيلية لم تكن مجرد انتقام، بل رسالة مفادها أن تل أبيب لن تقبل قواعد اشتباك جديدة يُفرض فيها عليها واقع نووي قادم.
تزامنت هذه العمليات مع تصعيد دبلوماسي، بعد قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي اتهم طهران صراحة بخرق التزاماتها المتعلقة بمنع الانتشار النووي.
حينها، رأت القيادة الإسرائيلية أن صمتاً أطول قد يفسر كعجز، أو كقبول بالهيمنة الإيرانية النووية المستقبلية.
ضربات عميقة وجريئة
على مدار ثلاثة أيام، شهدت إيران سلسلة من الضربات الجوية التي وصفت بأنها “الأعمق” في تاريخ إسرائيل العسكري.
من طهران إلى أصفهان ومشهد، طالت الصواريخ والطائرات الإسرائيلية منشآت حساسة، بينها مطار مشهد حيث استهدفت طائرة تزويد بالوقود، إضافة إلى قواعد إطلاق صواريخ ومصانع لإنتاج الأسلحة الباليستية.
صور الأقمار الصناعية التي نشرتها إسرائيل، والتي زعمت أنها توثق حجم الدمار، أشارت إلى أضرار جسيمة بمجمع نطنز النووي، أحد أبرز رموز الطموح النووي الإيراني.
ولم يمر هذا المشهد دون سقوط كبار القادة، إذ أعلن الحرس الثوري عن مقتل رئيس جهاز الاستخبارات ونائبه وضابط برتبة لواء، وهو ما مثّل ضربة معنوية وسيادية موجعة.
لم تتأخر إيران في الرد، إذ أعلنت إطلاق أكثر من 70 صاروخًا باتجاه العمق الإسرائيلي، ورغم أن الدفاعات الجوية الإسرائيلية اعترضت معظمها، بحسب المصادر العسكرية، فإن حقيقة أن إيران ردت بهذه الكثافة تؤكد أن المواجهة دخلت طور “توازن الرعب”، وأن أي خطأ تكتيكي قد يجر المنطقة إلى مواجهة إقليمية شاملة.
مع ذلك، التزمت طهران الصمت حيال الضربات الأكثر إيلامًا، مكتفية بنفي وقوع ضرر بمطار مشهد، هذا الصمت، كما فُسّر في الأوساط الإسرائيلية، يعكس ارتباكًا إيرانيًا واضحًا، خاصة مع توالي الضربات وسقوط رموز عسكرية وأمنية.
تحول في المعادلة الإقليمية
القرار الإسرائيلي لم يكن فقط ضربة عسكرية، بل إعلان صريح أن تل أبيب ستتولى بنفسها رسم حدود المواجهة، دون انتظار ضوء أخضر أمريكي أو توافق دولي.
وبعد تحذيرات واشنطن السابقة بشأن استهداف البنية التحتية للطاقة أو المنشآت النووية، بدا أن القيادة الإسرائيلية قررت القفز على تلك التحفظات، والمضي قدمًا في استراتيجية “الهجوم الوقائي”.
من جانبه، كرّر وزير الدفاع الإسرائيلي اليوم التأكيد على أن العمليات ستستمر، في وقت دخلت فيه المواجهة بين البلدين يومها الثالث، ما يشي بأن “المعركة بين الحروب” قد دخلت فصلاً جديدًا، أكثر جرأة وأشد خطورة.