بعد الضربة الإسرائيلية غير المسبوقة فجر اليوم الجمعة، التي استهدفت منشآت نووية وقادة عسكريين بارزين داخل إيران، يجد النظام الإيراني نفسه أمام مفترق طرق صعب، وبين الرغبة في رد مدوٍّ يحفظ هيبته، والخوف من الانزلاق إلى مواجهة شاملة قد تُكلفه كثيرًا، تبدو خيارات طهران محدودة ومعقدة في آن واحد.
هل تمتلك طهران القدرة على الرد الآن؟
وفي أعقاب الهجوم، تتزايد التساؤلات حول قدرة إيران على تنفيذ رد نوعي وسريع. فعلى الرغم من امتلاكها ترسانة من الصواريخ الدقيقة، وشبكة واسعة من الميليشيات الحليفة في المنطقة، إلا أن الوضع الحالي لا يمنحها هامشًا كبيرًا للمناورة.
وأصابت الضربة الإسرائيلية مراكز استراتيجية، وأضعفت جزئيًا قدرات القيادة والسيطرة، خاصة مع مقتل شخصيات رئيسة في الحرس الثوري مثل اللواء حسين سلامي، ومحمد باقري، والعالمين فريدون عباسي ومحمد مهدي طهرانجي.
كما أن أي رد مباشر قد يمنح إسرائيل ذريعة لتوسيع ضرباتها، وربما لشن حملة أوسع تستهدف البنية التحتية العسكرية والنووية لإيران.
كيف يُوازن النظام الإيراني بين الرغبة في الرد وتفادي الحرب؟
ويوجد التحدي الأكبر أمام القيادة الإيرانية الآن في ضبط النفس دون إظهار الضعف، ومن الناحية السياسية، لا تستطيع طهران تجاهل الضربة، خصوصًا بعد سقوط هذا العدد الكبير من القادة والعلماء، ولكن من الناحية العسكرية، فإن ردًا كبيرًا قد يؤدي إلى حرب شاملة لا يمكن التكهن بنتائجها.
وقد تتجه القيادة الإيرانية، التي لا تزال تحت وقع الصدمة، إلى الرد بطريقة مدروسة و”غير مباشرة”، عبر تفعيل أدواتها خارج الحدود أو استخدام أدوات هجينة كالهجمات السيبرانية، بما يسمح بإيصال رسالة القوة دون إشعال مواجهة مفتوحة.
السيناريوهات المحتملة: بين الهجمات السيبرانية والرد عبر الوكلاء
وخلال الأيام المقبلة، يمكن أن يحدث أحد أو أكثر من السيناريوهات التالية، منها هجمات سيبرانية معقدة؛ حيث إن إيران تملك قدرات متطورة في مجال الهجمات الإلكترونية، وقد تستهدف بنى تحتية إسرائيلية أو مصالح غربية في المنطقة، بما يشكل ضغطًا من دون الحاجة إلى صواريخ.
بالإضافة إلى سيناريو استهداف مصالح إسرائيلية في الخارج عبر خلايا تابعة لها، قد تستهدف طهران مصالح إسرائيلية أو شخصيات مرتبطة بتل أبيب في أوروبا أو أمريكا اللاتينية، ضمن ما يُعرف بـ”الرد الرمزي طويل الأمد”.
والسيناريو الثالث هو الرد عبر الوكلاء، متمثل في حزب الله في لبنان، والميليشيات المدعومة من إيران في العراق وسوريا واليمن، يمكن أن تنفذ هجمات ضد إسرائيل أو ضد مصالح أمريكية، ما يسمح لطهران بنفي المسؤولية المباشرة.
أما السيناريو الرابع هو تصعيد محدود في الجبهة الشمالية، حيث قد يلجأ حزب الله إلى إطلاق رشقات صاروخية مدروسة من الجنوب اللبناني، في رسالة منسقة ضمن إطار رد محسوب.
هل تقبل إيران بالتهدئة؟
ورغم التصعيد، لا تزال هناك مؤشرات على أن إيران لن تتسرع في خوض حرب مفتوحة، فالضغوط الاقتصادية الهائلة، وغياب حلفاء مستعدين للتدخل عسكريًا إلى جانبها، تجعل خيار التهدئة – ولو مؤقتًا – هو الأقرب للواقع.
ومع ذلك، فإن أي تصعيد إضافي من الجانب الإسرائيلي، خصوصًا إذا تكرر استهداف الشخصيات أو المنشآت النووية، قد يدفع طهران إلى الخروج من دائرة “الرد الحذر”، ويفتح باب مواجهة شاملة يصعب احتواؤها.
ماذا بعد الضربة؟
وتبقى إيران في موقف بالغ الحساسية، إذ إنها مطالبة بالرد لحماية صورتها داخليًا وخارجيًا، لكنها مضطرة لحساب كل خطوة بدقة شديدة، وبينما تُبقي إسرائيل على حالة التأهب القصوى، تراقب العواصم الإقليمية والعالمية بحذر ما إذا كانت هذه الضربة هي بداية مواجهة طويلة، أم أنها مجرد حلقة في سلسلة ردود محسوبة.
وفي هذا السياق المتوتر، كل سيناريو مطروح، وكل قرار ستكون له تداعيات تتجاوز حدود الضربة ذاتها.