منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، يتجه السودان بسرعة نحو واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في تاريخه الحديث، الحرب التي قسمت البلاد بين قوات الجيش والدعم السريع، دمرت البنية التحتية، وعطلت الإنتاج الزراعي، وأجبرت الملايين على الفرار من منازلهم.
ويواجه الملايين خطر المجاعة الفعلية، وسط عجز دولي عن وقف النزاع أو إيصال المساعدات الإنسانية بشكل آمن.
مؤشرات تنذر بالخطر
وتشير تقارير الأمم المتحدة، أن أكثر من 25 مليون سوداني يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بينهم مليون على حافة المجاعة في ولاية شمال دارفور وحدها.
وفي مدينة الفاشر، أعلنت الأمم المتحدة رسميًا المجاعة في ثلاثة من مخيمات النزوح، ويواجه الأطفال على وجه الخصوص خطر الموت جوعًا، حيث تسجل المنظمات الصحية ارتفاعًا مروعًا في معدلات سوء التغذية.
وقد أكدت مفوضية اللاجئين، أن أكثر من 4 ملايين شخص فروا إلى الدول المجاورة، خاصة تشاد، منذ اندلاع الحرب، ومن المتوقع أن يتواصل النزوح بوتيرة تصاعدية في حال استمرار النزاع؛ مما يشكل تهديدًا متزايدًا للاستقرار الإقليمي.
استهداف قوافل الإغاثة.. جريمة لا تغتفر
في مشهد يلخص مأساة السودان، قتل خمسة من طاقم قافلة إنسانية مشتركة بين اليونيسف وبرنامج الأغذية العالمي، وجرح آخرين، إثر هجوم مروّع على القافلة قرب مدينة الكومة شمال دارفور.
وكانت القافلة، المؤلفة من 15 شاحنة، تحمل مساعدات حيوية للأطفال والأسر المحاصرة في الفاشر، لكن الهجوم، الذي وقع رغم إخطار الأطراف المتحاربة بمسار القافلة، أدى إلى احتراق شاحنات وتلف مواد إغاثية.
وتبادلت الحكومة والدعم السريع الاتهامات بشأن الجهة المسؤولة عن الهجوم، ففي حين اتهم الجيش الدعم السريع باستخدام طائرات مسيرة لاستهداف القافلة، اتهمت الأخيرة الجيش بالقصف الجوي.
وقد أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش الهجوم بأشد العبارات، مطالبًا بتحقيق عاجل ومحاسبة الجناة.
الأسواق فارغة وانهيار الأسعار
وفي ظل الحصار المفروض على مدن مثل الفاشر، أصبحت الأسواق شبه خاوية، والسلع الأساسية إما مفقودة أو تباع بأسعار خيالية لا يقدر المواطن العادي على تحملها.
وفي مناطق أخرى، انهارت القدرة الشرائية للسكان بعد فقدان الوظائف وتوقف سلاسل الإمداد؛ ما دفع كثيرين إلى الاعتماد على وجبة واحدة يوميًا – أو أقل.
وفي دارفور، يزداد الوضع سوءًا مع اشتداد القتال وسعي قوات الدعم السريع لإحكام سيطرتها على الإقليم، فقد تعرضت مرافق برنامج الأغذية العالمي في الفاشر للقصف أكثر من مرة، وأصبح إيصال المساعدات إلى المدنيين في مناطق النزاع شبه مستحيل.
كارثة إنسانية تستدعي تدخلاً عاجلاً
وقال مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم: إن الأطفال يواجهون المجاعة، وعمال الإغاثة يموتون أثناء محاولتهم تقديم المساعدات، بينما اليونيسف وبرنامج الأغذية العالمي طالبا بوقف فوري للهجمات على القوافل، وبتحقيق عاجل ومحاسبة المتورطين في استهداف العاملين الإنسانيين.
في ظل هذا المشهد الكارثي، تترك ملايين الأرواح معلقة بين نيران الحرب وسيف الجوع، والسودان اليوم لا يواجه مجرد أزمة سياسية أو عسكرية، بل يقف حرفيًا على حافة الموت جوعًا.