ذات صلة

جمع

روسيا تقترب من مليون ضحية في أوكرانيا.. صيف دموي يكشف كلفة الحرب الباهظة

بينما تستعر المعارك في شرق أوكرانيا خلال صيف 2025،...

السودان على حافة الموت جوعًا.. الحرب تقتل الطفولة

منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، يتجه السودان بسرعة...

من الميدان إلى المحنة.. هل انتهى مشروع الإسلام السياسي الإخواني؟

مع اندلاع ثورات الربيع العربي عام 2011، بدا أن...

صراعات النفوذ في الشرق الأوسط.. من الحرب الباردة الجديدة إلى الصفقات الاستراتيجية

تشهد منطقة الشرق الأوسط اليوم صراع نفوذ متصاعدًا بين القوى الكبرى، في مشهد يذكّر بالحرب الباردة لكن بأدوات مختلفة، فالولايات المتحدة ما تزال اللاعب التقليدي الأكبر، بينما تسعى روسيا إلى توسيع نفوذها العسكري والسياسي، في حين تظهر تعز
الصين كقوة اقتصادية تسلك طرقًا ناعمة للهيمنة عبر مبادرات مثل: “الحزام والطريق” واتفاقيات استراتيجية طويلة الأمد، خاصة مع إيران ودول الخليج.

أميركا.. من الهيمنة إلى إدارة التوازنات

ورغم تراجع انخراطها العسكري المباشر، لم تنسحب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بل غيّرت أدوات تدخلها، فبعد عقود من الحروب المباشرة، تحوّلت واشنطن إلى استراتيجية “إدارة التوازن”، عبر التحالفات الأمنية (مثل اتفاقيات إبراهيم)، وتوسيع النفوذ الاستخباراتي والدعم التكنولوجي لحلفائها.

وتظل القواعد الأميركية المنتشرة في الخليج، العراق، وسوريا، ووجود الأسطول الخامس في البحرين، عناصر مركزية في النفوذ الأميركي، ومع ذلك، تواجه واشنطن تحديات حقيقية بسبب تراجع مصداقيتها بعد الانسحاب من أفغانستان وترددها في ملفات مثل سوريا واليمن.

روسيا.. بسط النفوذ عبر البندقية والدبلوماسية

فيما استغلت روسيا فراغ القوة الناتج عن تراجع الدور الأميركي لتوسيع حضورها، خصوصًا في سوريا، حيث دعمت نظام الأسد منذ 2015، ونجحت في تأمين قواعد دائمة في طرطوس وحميميم، حتى سقوط النظام نهاية العام الماضي، وفي ليبيا، دعمت قوات حفتر عبر شركة فاغنر، كما حافظت على علاقات متوازنة مع مصر والخليج، وأحيت روابط قديمة مع الجزائر والسودان.

وترى موسكو في الشرق الأوسط فرصة استراتيجية لتوسيع رقعة المواجهة الجيوسياسية مع الغرب، وورقة للمقايضة في أوكرانيا وأفريقيا، كما أنها تروّج لنموذجها في “الحفاظ على الأنظمة” بدلًا من تغييرها، وهو ما يلقى قبولًا في عدد من العواصم العربية.

الصين.. الإمبراطورية الصامتة التي تخترق الاقتصاد والسياسة

أما الصين، فتلعب لعبة طويلة النفس، تركز على الاقتصاد والشراكات الاستراتيجية، ووقعت بكين اتفاقًا شاملاً مع إيران لمدة 25 عامًا، يشمل استثمارات بنية تحتية، ونفطًا رخيصًا، وتعاونًا تكنولوجيًا، كما توسطت في استئناف العلاقات بين السعودية وإيران، في خطوة قلبت موازين النفوذ الإقليمي.

وعبر مبادرة “الحزام والطريق”، تربط الصين نفسها بموانئ الشرق الأوسط وشبكات السكك الحديدية والاتصالات، دون التدخل المباشر في النزاعات السياسية، ما يجعلها شريكًا مفضّلًا لدى بعض الأنظمة التي تفضل الحياد الصيني على الانحياز الأميركي أو التورط الروسي.

حروب بالوكالة.. الدم العربي على طاولة اللاعبين الكبار

بينما تمثل الصراعات في سوريا واليمن وليبيا أوضح صور الحروب بالوكالة، حيث تتداخل أجندات محلية مع دعم خارجي، ففي اليمن، دعمت إيران الحوثيين، بينما قادت السعودية التحالف العربي، في حرب استنزفت الجميع، في سوريا، كانت تشارك كل من إيران، روسيا، أميركا، وتركيا بشكل مباشر أو غير مباشر في الصراع.

وتلعب إسرائيل دورًا خاصًا كطرف مباشر في صراعات الظل، حيث شنت مئات الضربات ضد أهداف إيرانية في سوريا، فيما يواصل “حزب الله” تعزيز قدراته العسكرية وسط صمت لبناني رسمي، تحت غطاء الصراع الإقليمي الأوسع.

الصفقات الجديدة في الشرق الأوسط

وأحدثت اتفاقيات إبراهيم التي وقعتها الإمارات والبحرين والمغرب مع إسرائيل، برعاية أميركية، تحولًا جذريًا في معادلة التحالفات، وتمثل هذه الاتفاقيات جزءًا من مشروع أميركي لدمج إسرائيل في المحيط العربي لمواجهة إيران، دون حلّ القضية الفلسطينية.

ومع التغيّرات الأخيرة، يجري الحديث عن تطبيع محتمل، خاصة بعد توقيع الرياض وبكين اتفاقيات ضخمة، ما دفع واشنطن لتقديم عروض مغرية تتضمن ضمانات أمنية وصفقات نووية مدنية، في محاولة لعدم خسارة الحليف الأكبر في الخليج لصالح الصين.

قضايا غائبة

ورغم التأثير الكبير لصراعات النفوذ في المنطقة، تبدو معظم الدول العربية في موقع المتلقي لا الفاعل، فبعض العواصم، مثل الرياض وأبوظبي، تحاول موازنة علاقاتها بين الغرب والشرق، بينما تغرق عواصم أخرى، مثل صنعاء وبغداد، في مستنقع حروب بالوكالة لا تملك أدوات الخروج منها.

وما تزال القضية الفلسطينية خارج الحسابات الكبرى، حيث أُفرغت من محتواها لصالح صفقات تطبيع استراتيجية، فيما تتعمق الفجوة بين الشعوب العربية والأنظمة في ظل غياب مشروع عربي جامع.

من يربح الحرب الباردة الجديدة في الشرق الأوسط؟

لذا يتحوّل الشرق الأوسط إلى ساحة تنافس مفتوح بين أميركا وروسيا والصين، وسط هشاشة عربية وتحوّلات سريعة في التحالفات، في حين تُفضل واشنطن صفقات التطبيع كأداة هيمنة، تسلك موسكو طريق الحسم العسكري، بينما تراهن بكين على الهدوء الاقتصادي والصفقات بعيدة المدى، ويبقى السؤال: هل نحن أمام تقسيم نفوذ جديد طويل الأمد، أم مجرد إعادة تموضع في ظل سيولة استراتيجية غير مسبوقة.

spot_img