في ظل حرب مستمرة منذ عقدٍ كامل، تحولت المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين في اليمن إلى نموذج صارخ لاقتصاد الحرب القائم على النهب والجبايات، لكن اليوم، تتراكم مؤشرات على أن هذا النموذج الهش يقترب من الانهيار الكامل، مع تصاعد الأزمات المالية، وانهيار الخدمات، وتمرد اجتماعي صامت.
وتعتمد جماعة الحوثي على الجبايات والإتاوات كمصدر رئيسي لتمويل سلطتها، حيث تفرض ضرائب باهظة على التجار والمواطنين؛ مما أدى إلى إنهاك الاقتصاد المحلي وتفاقم معاناة السكان.
فساد داخلي وسرّية مطلقة
وتُتهم قيادة الحوثيين بتحويل جزء كبير من الإيرادات لتمويل المجهود الحربي وتعزيز نفوذهم، مع غياب الشفافية والمحاسبة، مما يثير تساؤلات حول مصير الأموال المحصلة من الجبايات والضرائب، في ظل نظام يعتمد على “اقتصاد النهب” بدلاً من التنمية.
وتحولت المناطق الخاضعة للحوثيين إلى ساحة لنهب منظم للموارد عبر أدوات عدة؛ منها جبايات الحرب فرضت الجماعة ضرائب غير قانونية تحت مسميات مثل: “صندوق دعم المجهود الحربي” و”الهيئة العامة للزكاة”، والتي تحولت إلى أداة لتمويل القتال وإثراء النخبة.
بالإضافة إلى الاقتصاد الموازي، كإنشاء مؤسسات مالية موازية للدولة، مثل “البنك المركزي” في صنعاء، الذي يُدار بعيدًا عن أي رقابة، وإفقار الطبقة الوسطى مع تصاعد الجبايات، خسرت الشركات الصغيرة والمتوسطة قدرتها على البقاء، ما أدى إلى انهيار النشاط الاقتصادي الرسمي.
أين تذهب الإيرادات؟
ورغم تحصيل ملايين الدولارات شهريًا من الموانئ والجبايات، تختفي الأموال في دوامة الفساد؛ حيث تكشف تقارير عن ظهور “أثرياء الحرب” من قادة الحوثيين، بينما يعاني المواطنون من نقص الوقود والدواء.
فضلًا عن تهريب النفط، حيث ووثّقت تقارير أممية تحويل عائدات النفط إلى حسابات شخصية لقيادات الجماعة، بينما لا توجد ميزانيات معلنة، ولا محاسبة على الإنفاق، مما يغذي الفساد الهيكلي.
انهيار الخدمات العامة وتعطل مؤسسات الدولة
بينما أدى توقف صرف رواتب الموظفين منذ سنوات إلى تدهور الخدمات العامة، حيث يعتمد أكثر من 50% من السكان على العمالة المؤقتة أو المساعدات الإغاثية؛ مما يعكس فشل الحوثيين في إدارة مؤسسات الدولة.
ومن أبرز مظاهر الانهيار الاقتصادي هو تدهور الخدمات الأساسية الرواتب المتوقفة، حيث إن موظفو الدولة لم يتقاضوا رواتبهم منذ سنوات، مما دفعهم إلى الاعتماد على المساعدات أو الهجرة، وانهيار الصحة والتعليم إذ أن المستشفيات تعمل بأقل الإمكانيات، والمدارس أصبحت مراكز لتجنيد الأطفال، بجانب انقطاع الكهرباء والمياه أصبح “طبيعيًا” حتى في العاصمة صنعاء.
السوق السوداء.. اقتصاد الحرب البديل
كما يسيطر الحوثيون على تجارة الوقود والمشتقات النفطية عبر موانئ الحديدة، ويُتهمون بتوجيه العائدات لتمويل المجهود الحربي؛ مما أدى إلى تفشي السوق السوداء وارتفاع أسعار السلع الأساسية.
وفي غياب الاقتصاد الرسمي، ازدهرت الأسواق الموازية تحت سيطرة الحوثيين بسبب احتكار السلع الأساسية مثل الوقود، الأدوية، والغذاء فتُباع بأسعار خيالية عبر شبكات موالية.
لذا تحولت المساعدات الإنسانية أحيانًا إلى سلعة في السوق السوداء، بينما قادة الحوثيين يتحكمون في تدفق السلع لضمان ولاء الموالين ومعاقبة المعارضين.
مؤشرات الانهيار… من صنعاء إلى صعدة
وتشهد مناطق سيطرة الحوثيين شحًا شديدًا في السيولة النقدية وتقييدًا حادًا لعمليات السحب من البنوك، مع انهيار في صرف رواتب الموظفين، مما يُنذر بانهيار اقتصادي وشيك.
وتبدو علامات السقوط الاقتصادي واضحة، من خلال تظاهرات متفرقة ضد الغلاء وانهيار الخدمات، وإن كانت تُقمع فورًا، بالإضافة إلى فقدان العملة المحلية قيمتها، والبنك المركزي الحوثي يعاني من شحّ الدولار، فضلاً عن أنه نع تراجع الموارد، توسعت الجبايات لتشمل حتى بائعي الخضار في الأرياف.
هل يواجه الحوثيون “انفجار الجوع”؟
لذا مع استمرار تدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، يُحذر مراقبون من احتمال اندلاع احتجاجات شعبية ضد الحوثيين؛ مما قد يؤدي إلى تفكك الحاضنة الاجتماعية للجماعة.
وتوجد عدة سيناريوهات محتملة للانهيار الداخلي؛ أولها التمرد الاجتماعي فقد تتحول الاحتجاجات الصغيرة إلى انتفاضة واسعة إذا تفاقمت الأزمات، بالإضافة إلى احتمالية الانقسامات للداخلية بسبب صراعات بين قادة الحوثيين على الموارد المتبقية، أو الانهيار الاقتصادي عندما يصبح الاقتصاد غير قادر على تمويل الحرب أو شراء الولاءات.
الاقتصاد هو نقطة ضعفهم الأخيرة
ويُظهر الوضع الاقتصادي في مناطق سيطرة الحوثيين علامات انهيار وشيك، مع تفاقم الأزمات الإنسانية وتدهور الخدمات العامة، لذا إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة هذه القضايا، فقد يواجه اليمن كارثة إنسانية واقتصادية غير مسبوقة.
لذا يرى محللون سياسيون، أن الحوثيين يخسرون معركة الاقتصاد قبل أن يخسروا المعركة العسكرية، فبينما تصمد الجماعة عسكريًا، فإن الانهيار الاقتصادي قد يكون العامل الأكثر تهديدًا لوجودها، ففشلهم في بناء نظام مالي مستدام، وانكشاف فسادهم، وتصاعد السخط الاجتماعي، كلها عوامل قد تقود إلى انهيار داخلي أسرع مما يُتوقع.