ذات صلة

جمع

هل يسعى الحوثي لتكرار نموذج حزب الله في اليمن؟

مع استمرار الحرب في اليمن منذ أكثر من تسع...

البرهان.. الرجل الذي يطيل أمد الحرب

بات عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد...

بين إيران وروسيا وسوريا ولبنان.. كيف غيرت العقوبات الدولية ملامح الاقتصاد والسياسة؟

لعقود، شكّلت العقوبات الاقتصادية أحد أبرز أدوات السياسة الخارجية...

“الإخوان”.. من “مشروع النهضة” إلى لحظة الانكشاف الكامل

من مصر إلى ليبيا، ومن تونس إلى السودان، خاضت...

تحركات النهضة في ظل الأزمة الاقتصادية.. محاولة لإعادة التموضع السياسي

في ظل الأزمة الاقتصادية العنيفة التي تمر بها تونس،...

هل يسعى الحوثي لتكرار نموذج حزب الله في اليمن؟

مع استمرار الحرب في اليمن منذ أكثر من تسع سنوات، تزايدت المؤشرات على أن جماعة الحوثي تسعى إلى تجاوز مجرد كونها طرفًا في نزاع مسلح، لتتحول إلى كيان سياسي- عسكري دائم، على غرار نموذج حزب الله في لبنان، فبينما يُظهر الحوثيون مرونة تكتيكية في ملفي الهدنة والمفاوضات، فإنهم في المقابل يعملون بهدوء على ترسيخ نفوذهم المؤسساتي والأمني والاجتماعي في مناطق سيطرتهم.

ميليشيا تتحول إلى “دولة داخل الدولة”

وفي هذا السياق، لم تعد الجماعة تكتفي بإدارة سلطة أمر واقع، بل تسعى إلى إضفاء طابع “شرعي” على وجودها من خلال ما يسمى بـ”المجلس السياسي الأعلى”، وتفعيل الجهاز القضائي والتعليم الديني والإعلام الرسمي، في مناطق مثل: صنعاء وصعدة وذمار والحديدة.

وهذه السيطرة الشاملة تشير إلى محاولة هندسة مجتمع متماهي مع العقيدة الحوثية، تمامًا كما فعل حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع، ضمن مشروع أيديولوجي طويل الأمد يهدف إلى إنتاج مجتمع طائفي مُسلّح ومؤدلج.

الحرس الثوري الإيراني.. المعلم الأول للحوثيين

ولا يمكن فصل تطور الجماعة الحوثية عن الدور الإيراني المباشر في إعادة تشكيل بنيتها العسكرية والأمنية، فقد أظهرت تقارير استخبارية غربية – من بينها تقارير رويترز والجارديان – أن الحرس الثوري الإيراني أرسل مستشارين لتدريب الحوثيين على تقنيات الصواريخ الباليستية والطائرات المُسيّرة.

كما تشير وثائق أخرى، أن القيادي الحوثي البارز مهدي المشاط تلقى تدريبات أمنية خاصة في لبنان، بالتنسيق مع عناصر من حزب الله، لتأسيس جهاز أمني موازٍ لجهاز الدولة اليمنية، يتبع مباشرة للقيادة العليا في صعدة، ويقوم بمهام الرقابة والتجسس والتصفية.

وهذا يشبه تمامًا البنية الأمنية لحزب الله، التي تُخضع المجتمع اللبناني الشيعي لنظام أمني داخلي خاص، خارج نطاق مؤسسات الدولة.

اقتصاد مواز وأذرع مالية شبيهة بـ”مؤسسات حزب الله”

وعلى غرار تجربة حزب الله الذي بنى شبكته المالية والاجتماعية من خلال مؤسسات مثل: “جهاد البناء” و”مؤسسة الشهيد”، أنشأ الحوثيون مؤسسات مالية واجتماعية موازية في مناطق سيطرتهم، من أبرزها: “الهيئة العامة للزكاة” التي باتت تشرف على جبايات ضخمة تُقدّر بمليارات الريالات سنويًا.

كما تُتهم الجماعة بالسيطرة على تجارة الوقود والمشتقات النفطية عبر موانئ الحديدة، وتوجيه تلك العائدات لتمويل المجهود الحربي والأمني، دون أن تمر عبر المؤسسات الرسمية للدولة.

وهذا النموذج من الاقتصاد “المسيس” يجعل الحوثي، مثل حزب الله، قوة اقتصادية داخل الدولة، تمتلك شبكة تمويل غير خاضعة للرقابة المركزية، وتُستخدم لتثبيت السلطة الطائفية والمسلحة.

الخطاب العقائدي.. الولي الفقيه حاضر في صعدة

ولا يخفي الحوثيون ولاءهم العقائدي للمرجعية الإيرانية، فقد باتت مفردات مثل: “الولي الفقيه” و”الثورة الإسلامية” جزءًا من الخطاب الرسمي لقادة الجماعة، وفي مقدمتهم عبد الملك الحوثي.

وهذا التماثل العقائدي مع حزب الله يعزز فرضية أن الجماعة تسعى لتكرار تجربة الحزب في اليمن، ليس فقط كنموذج سياسي بل كنموذج مذهبي أمني متكامل.

لذا تُدرّس كتب “حوزوية” شيعية في مدارس ومعاهد شمال اليمن، وتُبث خطب دينية عبر الإعلام الرسمي تشجع على الولاء المطلق للقيادة، في نمط يُعيد إنتاج دولة دينية عسكرية مغلقة.

هل يتحول الحوثي إلى “حزب الله اليمني”؟

فالإجابة ليست سهلة، لكنها أصبحت مطروحة بجدية في دوائر صناعة القرار الإقليمي والدولي، فالجماعة تُظهر قدرات على التمدد الإقليمي (كما في الهجمات على الملاحة في البحر الأحمر)، وعلى السيطرة الكاملة داخل بيئتها، وعلى بناء جهاز أمني ومؤسساتي موازٍ للدولة.

لكن الفارق الأساسي يكمن في البيئة اليمنية نفسها، التي تفتقر إلى الغطاء السياسي الطائفي الصلب الذي يحمي حزب الله في لبنان، كما أن القبائل اليمنية، رغم التحالفات الظرفية، ليست جزءًا من نسيج مذهبي موحد، ما يجعل المشروع الحوثي مهددًا بمقاومة داخلية مستمرة.

ومع ذلك، فإن ترك الجماعة تتغول على النحو الحالي، مع ضعف الردع الدولي، قد يُكرّس “لبننة” الحالة اليمنية، أي وجود دولة هشة أمام ميليشيا قوية، تُدار من الخارج وتستمد شرعيتها من العنف لا من الشعب.

هل يحقق الحوثيون أهدافهم؟

يُنذر التحول البطيء والمدروس للحوثيين من جماعة تمرد مسلح إلى نموذج سلطوي مشابه لحزب الله، بخطر استراتيجي عميق في اليمن والمنطقة، فإذا لم يتم بناء مسار سلام يفرض تفكيك البنية العسكرية والأمنية الحوثية، وليس فقط التفاوض السياسي، فإن اليمن قد يدخل مرحلة “الاستقرار الميليشياوي”، حيث تسود جماعة واحدة بحكم السلاح والعقيدة، وليس عبر صناديق الاقتراع.

ما يعني أن الزمن لا يعمل في صالح اليمنيين، بل في مصلحة من يتقنون اللعب الطويل على النموذج الإيراني.

spot_img