في تحولٍ لافتٍ في لهجة التصعيد التجاري، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب تعليق فرض الرسوم الجمركية المتبادلة على عشرات الدول التي لم تردّ بإجراءاتٍ انتقامية ضد الولايات المتحدة، مؤكدًا أن هذا التعليق سيكون “مؤقتًا”، في حين صعّد من لهجته تجاه الصين، التي وصف تعاملها مع الأسواق العالمية بأنه “غير محترم”.
هدنة مشروطة مع أكثر من 75 دولة
وخلال مؤتمرٍ صحفي أمام البيت الأبيض، كشف ترمب أن قراره شمل نحو 75 دولة لم تفرض تعريفاتٍ جمركية مضادة ردًّا على الرسوم الأميركية، موضحًا أن هذه الدول دخلت في تواصلٍ مباشرٍ مع إدارته بهدف التفاوض بشأن الحواجز التجارية.
وأكد الرئيس الأميركي أن هذا التعليق سيستمر لمدة 90 يومًا فقط، معتبرًا أن هذه الفترة تمثل فرصة لإبرام اتفاقات “عادلة ومتوازنة”.
وقال ترمب: “العديد من الدول تفهم الآن أن الولايات المتحدة لن تتهاون بعد اليوم في مواجهة الأنظمة التجارية غير العادلة، لكننا سنمنح فرصة لحلولٍ سلمية ما دامت هناك نوايا طيبة”.
تصعيد غير مسبوق ضد بكين
وفي المقابل، أعلن ترمب أنه قرر رفع الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية إلى 125%، في خطوةٍ تهدف إلى الرد على ما وصفه بـ“عدم احترام الصين لقواعد السوق العالمية”.
وأضاف في منشورٍ عبر منصته “تروث سوشيال” أن بكين “لا تعرف كيف تتفاوض، رغم رغبتها المعلنة في الوصول إلى اتفاق”.
وأشار إلى أن الأسواق العالمية “شعرت بالقلق قليلًا” من الخطوات الأخيرة، لكنه طمأن بأن الاتفاقات المقبلة ستكون “عادلة للجميع”، وتهدف إلى استعادة التوازن في التجارة الدولية.
الصين: ردّ محدود ومناورة محسوبة
وتأتي هذه التطورات في وقتٍ شهدت فيه الأسابيع الأخيرة جولة جديدة من الاتصالات الدبلوماسية بين واشنطن وبكين، إذ زار مسؤولون كبار من البلدين عواصم أوروبية لعقد لقاءاتٍ غير رسمية، في محاولة لإعادة فتح قنوات التفاوض المجمدة منذ أشهر.
ورغم التصعيد العلني، تشير تقارير إعلامية إلى أن الجانب الصيني قد يلجأ إلى الرد الانتقائي المحدود على قرار ترمب، تجنبًا لتصعيد شامل قد يضر بالاقتصاد الصيني الذي يعاني من تباطؤٍ ملحوظ.
الأزمة التجارية بين واشنطن وبكين
ويعود أصل التوتر إلى عام 2018، حين فرضت إدارة ترمب رسومًا جمركية على بضائع صينية بقيمة مئات المليارات من الدولارات، متهمةً بكين بممارساتٍ تجارية غير عادلة، وسرقة الملكية الفكرية، وفرض قيود على الشركات الأجنبية. وردّت الصين برسومٍ انتقامية مماثلة، ما فاقم حالة عدم اليقين في الأسواق العالمية.
وعلى الرغم من توقيع “المرحلة الأولى” من الاتفاق التجاري في يناير 2020، لم تنجح المفاوضات اللاحقة في التوصل إلى اتفاقٍ شامل، خصوصًا بعد تداعيات جائحة كورونا وتغير الإدارة الأميركية.
لذا، فالتحرك الأخير من ترمب يشير إلى استراتيجية مزدوجة: التهدئة مع شركاء اقتصاديين صغار ومتوسطين، ورفع سقف المواجهة مع العملاق الصيني. وبينما قد يُنظر إلى التعليق المؤقت للرسوم على بعض الدول كخطوة لبناء تحالفٍ اقتصادي أوسع ضد بكين، يبقى مستقبل العلاقات الأميركية الصينية مرهونًا بمستوى الجدية في المفاوضات القادمة، واستعداد الطرفين لتقديم تنازلاتٍ حقيقية.