في أجواء مشحونة بالتوتر، حيث تتواصل الضربات الأمريكية ضد ميليشيات الحوثي، ألقى أحد قادة حزب الإصلاح اليمني كلمات أشعلت نارًا هادئة كانت تختمر تحت رماد الوحدة الظاهرية للحزب.
المهندس أحمد سيف القباطي، رئيس دائرة الطلاب في الأمانة العامة للتجمع اليمني للإصلاح، اختار مناسبة معايدة سنوية في مأرب ليرفع شعار “أعيادنا عزة وجهاد”، مطلقًا تصريحات حماسية دعا فيها إلى الجهاد لنصرة غزة، في خطاب بدا وكأنه يستنسخ الرواية الحوثية والإيرانية للصراع.
تصريحات تزلزل البناء الداخلي
لم تكن كلمات القباطي مجرد خطاب تضامني مع الفلسطينيين، بل تحولت إلى قنبلة موقوتة داخل حزب الإصلاح. فما بين السطور، كان القائد الإخواني يرد على اتهامات داخلية بتبعية بعض قيادات الحزب لأجندات خارجية، في إشارة واضحة إلى العلاقة مع الولايات المتحدة.
المفارقة تكمن في أن الحزب الذي ظل لسنوات يحاول إقناع المجتمع الدولي بأنه قوة سياسية معتدلة، وجد نفسه فجأة أمام خطاب جهادي صريح يُذكر بأجواء ما قبل الربيع العربي.
مصادر مطلعة كشفت، أن هذه التصريحات أحدثت شرخًا عميقًا بين قيادات الحزب، حيث انقسمت الساحة إلى معسكرين: فريق يرى في الخطاب استعادة للهوية الأيديولوجية للحزب، وفريق آخر يعتبره مغامرة غير محسوبة قد تكلف الحزب مكانته في المعادلة السياسية.
اللعبة السياسية على المحك
في الكواليس، يعيش حزب الإصلاح تناقضًا وجوديًا، فمن ناحية، هناك قناعة لدى جزء من قياداته بأن التحالف الدولي بقيادة أمريكا يمثل فرصة لإضعاف خصومهم الحوثيين.
ومن ناحية أخرى، هناك إدراك أن أي تقارب علني مع واشنطن قد يفقد الحزب شعبيته في الشارع اليمني المتعاطف مع القضية الفلسطينية.
هذا التناقض تجلى بوضوح في ردود الفعل على تصريحات القباطي، فبينما سارع بعض القادة إلى توجيه انتقادات غير مباشرة للخطاب، حرصوا على عدم المواجهة المباشرة التي قد تكشف حجم الانقسامات.
وفي المقابل، وجد التيار المتشدد في هذه التصريحات فرصة لإعادة تأكيد هوية الحزب الإسلامية وموقفه من الصراع مع إسرائيل.
مأزق الإصلاح التاريخي
الحزب الذي خرج من عباءة جماعة الإخوان المسلمين يواجه اليوم معضلة وجودية. فبعد سنوات من المحاولات لإثبات أنه قوة سياسية عابرة للأيديولوجيا، ها هو أحد قياداته يعيده إلى مربع الخطاب الجهادي.
المشكلة أن هذا التوجه يأتي في وقت حرج، حيث تسعى القوى الدولية إلى تصنيف أي جماعة تتبنى خطاب الجهاد ضمن قوائم الإرهاب.
كما أن الحزب يدرك جيدًا أن أي انزلاق نحو هذا الخطاب قد يقطع عليه الطريق نحو أي دور سياسي في أي تسوية مستقبلية لليمن.
السيناريوهات المحتملة
أمام هذا الوضع المتأزم، تبدو الخيارات أمام قيادة الحزب محدودة، إما أن تسارع إلى احتواء الأزمة عبر إصدار بيان يوضح موقف الحزب الرسمي، مع التأكيد على حق الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم دون تبني خطاب الجهاد الصريح، أو أن تترك الأمور تتطور إلى صراع داخلي قد يكشف عن انقسامات عميقة في بنية الحزب.
المصادر تشير أن القيادة تحاول كسب الوقت، في انتظار أن تخف حدة التوترات الداخلية.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة، هل يمكن للحزب أن يحافظ على وحدته وهو يواجه هذا الاختبار الصعب، أم أن تصريحات القباطي كانت مجرد شرارة كشفت عن أزمة هوية يعيشها الإصلاح منذ سنوات؟