منذ اندلاع الحرب في غزة، لم يكن استمرار العمليات العسكرية مجرد استجابة للوضع الأمني، بل تحول إلى أداة سياسية تخدم المصالح الإسرائيلية على عدة مستويات.
فعلى الرغم من الضغوط الداخلية والخارجية لإنهاء القتال، وارتفاع المطالب الشعبية بإبرام صفقة تضمن استعادة الرهائن، استمرت الحكومة الإسرائيلية في تبني نهج تصعيدي يهدف إلى تحقيق مكاسب استراتيجية وسياسية تتجاوز ساحة المعركة.
الإسرائيليون يؤيدون التوصل لاتفاق إنهاء الحرب
وكشف استطلاع حديث أجرته القناة 12 الإسرائيلية، أن 69% من الإسرائيليين يؤيدون التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب في غزة مقابل الإفراج عن جميع الرهائن المتبقين في القطاع، بينما يعارض 21% فقط مثل هذه الخطوة.
ويمثل هذا الاستطلاع تحولًا في الرأي العام الإسرائيلي، حيث تعكس هذه الأرقام تزايد الضغوط الشعبية لإنهاء الحرب، حتى بين أنصار الائتلاف الحاكم، الذين أيد 54% منهم الصفقة رغم التوجهات المتشددة للحكومة.
ورغم هذا التأييد الشعبي، تواصل حكومة بنيامين نتنياهو رفض أي اتفاق يتضمن وقفًا للقتال، متمسكة بموقفها القائم على إضعاف حركة حماس وإزالة التهديد الذي تشكله على إسرائيل.
ويُعتقد أن من بين 59 رهينة ما يزالون محتجزين في غزة، هناك 24 فقط ما زالوا على قيد الحياة، ما يجعل استمرار العمليات العسكرية دون تحقيق تقدم في ملف الرهائن موضع انتقاد متزايد داخل إسرائيل.
وتعثر المفاوضات بشأن إطلاق سراح الرهائن جاء نتيجة قرار الحكومة بعدم الالتزام بالمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، التي كان من المفترض أن تتضمن إنهاء الحرب بشكل دائم مقابل الإفراج عن جميع الرهائن الأحياء، بالإضافة إلى تبادل الجثث في المرحلة الثالثة.
وبدلًا من ذلك، سعى نتنياهو إلى تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق وفقًا لمقترح أمريكي يسمح باستعادة عدد من الرهائن، لكنه يبقي لإسرائيل خيار استئناف العمليات العسكرية في غزة، وهو ما يفسر استمرار الحرب كأداة لتحقيق أهداف سياسية وأمنية للحكومة الإسرائيلية.
استمرار الحرب هامشًا سياسيًا واسعًا
استمرار الحرب منح الحكومة الإسرائيلية هامشًا سياسيًا واسعًا، حيث استُخدم كأداة لتعزيز موقف نتنياهو داخليًا، خاصة في ظل التحديات التي يواجهها على المستويين السياسي والقانوني.
فمن خلال إبقاء العمليات العسكرية مستمرة، تمكن من تأجيل أي نقاشات داخلية بشأن مسؤولية حكومته عن الإخفاقات الأمنية التي أدت إلى أزمة الرهائن، كما عزز تماسك ائتلافه الحكومي الذي يضم أحزابًا يمينية متطرفة تدفع نحو استمرار الحرب وعدم تقديم تنازلات سياسية.
وفي السياق ذاته، قال الباحث السياسي المتخصص في الشأن الإسرائيلي على الأعور: “منذ اندلاع الحرب في غزة، استخدمت الحكومة الإسرائيلية النزاع كأداة لتعزيز مصالحها السياسية والأمنية، لافتًا أن استمرار العمليات العسكرية ساهم في صرف الأنظار عن الأزمات السياسية التي يواجهها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بما في ذلك التحديات القضائية والاحتجاجات الشعبية ضد حكومته.
وأوضح الأعور – في تصريحات لـ ملفات عربية-، أن إسرائيل وظفت الحرب لإعادة تشكيل المشهد في غزة، عبر تقويض قدرات الفصائل المسلحة وإحداث تغييرات ديموغرافية من خلال الضغوط المعيشية على السكان.
وتابع: وكذلك عززت الحرب موقع إسرائيل التفاوضي أمام المجتمع الدولي، حيث سعت للحصول على مزيد من الدعم العسكري والدبلوماسي من حلفائها، مع تبرير سياساتها الأمنية كجزء من “الحرب على الإرهاب”.