في تطور لافت ضمن المشهد المتوتر بين روسيا وأوكرانيا، أعلنت الولايات المتحدة التوصل إلى اتفاقين منفصلين مع الجانبين يهدفان إلى ضمان أمن الملاحة في البحر الأسود وحماية منشآت الطاقة من الهجمات.
ورغم غياب بيان مشترك عقب المحادثات، إلا أن هذه الخطوة تعكس محاولات دولية لاحتواء الأزمة ولو مؤقتًا في ظل صراع مستمر منذ أكثر من عامين.
الاتفاق مع موسكو يتضمن التزام الولايات المتحدة بتسهيل وصول الصادرات الزراعية والأسمدة الروسية إلى الأسواق العالمية، مقابل تعهد روسيا بضمان حرية الملاحة في البحر الأسود وعدم استهداف السفن التجارية.
على الجانب الآخر، أبدت أوكرانيا تحفظات واضحة على هذا التفاهم، معتبرة أن تسهيل الصادرات الروسية قد يخفف من حدة العقوبات المفروضة عليها ويمنح موسكو هامشًا أوسع للمناورة الاقتصادية.
ولم يقتصر القلق الأوكراني على البعد الاقتصادي فحسب، بل امتد إلى الجانب العسكري، إذ حذرت كييف من التحركات الروسية في الجزء الشرقي من البحر الأسود واعتبرتها مؤشرًا على احتمال انتهاك الاتفاق مستقبلًا.
رفع العقوبات مقابل الملاحة
في المقابل، أكدت موسكو التزامها بضمان سلامة الملاحة لكنها اشترطت رفع العقوبات عن سفنها وبنيتها التحتية البحرية، مشددة على أن أي اتفاق يجب أن يكون متوازنًا ويأخذ مصالحها بعين الاعتبار.
وتأتي هذه الخطوة امتدادًا لمحاولات سابقة، أبرزها اتفاق إسطنبول لعام 2022 الذي تم بوساطة تركية، لكنه تعرض لانتهاكات متكررة أدت إلى انهياره. حينها، سمح الاتفاق بتصدير القمح الأوكراني إلى الأسواق العالمية، في حين ظلت المنتجات الروسية الزراعية والأسمدة تواجه قيودًا غربية، مما دفع موسكو إلى التشكيك في أي تفاهمات لا تضمن التزامات متبادلة.
هذه التجربة دفعت روسيا اليوم إلى التعامل بحذر مع الاتفاق الجديد، خصوصًا بعد اتهامها الدول الغربية باستخدام ممر البحر الأسود لنقل الأسلحة إلى أوكرانيا تحت غطاء الشحنات التجارية.
موازنة التهدئة للولايات المتحدة
من الناحية السياسية، تحاول واشنطن الموازنة بين التوصل إلى تهدئة محدودة من جهة، والإبقاء على الضغوط على موسكو من جهة أخرى، في حين تدرك روسيا أن الموقف الأوروبي يظل أكثر تشددًا، خاصة من قبل بريطانيا ودول البلطيق التي تعارض أي اتفاق يمنح موسكو مكاسب استراتيجية.
بالنسبة لأوكرانيا، فإن قبولها بهذا التفاهم لا يعني اقتناعها بجدواه، إذ لا تزال ترى أنه لا يوفر ضمانات كافية لحمايتها من التهديدات الروسية، مطالبة بفرض عقوبات إضافية على موسكو في حال خرقها لأي بند من الاتفاق.
ورغم أهمية هذه التفاهمات، لا تبدو مؤشرات الثقة بين واشنطن وموسكو في تحسن حقيقي، فالتباعد في الرؤى لا يزال كبيرًا والشكوك المتبادلة لم تتبدد.
وبينما يأمل البعض أن يكون الاتفاق بداية لخفض التوترات وربما مدخلًا لمفاوضات أوسع، يرى آخرون أنه مجرد هدنة مؤقتة في سياق صراع أعمق لا تزال جذوره قائمة.