أثارت الغارات الجوية الأمريكية الأخيرة على اليمن، والتي استهدفت مواقع عسكرية حوثية، حالة من القلق والارتباك في صفوف الجماعة، خاصة بعد اغتيال القيادي البارز منصور السعادي، المعروف بلقب “العقل المدبر للهجمات البحرية”، مما أدى إلى تصاعد التوترات الداخلية بين قادة الحوثيين وتفاقم الانقسامات.
اغتيال السعادي ضربة موجعة للحوثيين
وكان مقتل منصور السعادي، الذي تولى منصبًا قياديًا في القوات البحرية التابعة للحوثيين، بمثابة ضربة قاسية للجماعة، ويُعرف السعادي بكونه مهندس الهجمات البحرية التي استهدفت السفن التجارية والعسكرية في البحر الأحمر، وهي الهجمات التي شكلت تهديدًا كبيرًا للملاحة الدولية.
ووفقًا لمصادر يمنية، فإن استهداف السعادي لم يكن مجرد عملية عسكرية، بل رسالة سياسية وأمنية واضحة من واشنطن مفادها أن التصعيد الحوثي في المنطقة لن يمر دون رد.
حالة من الذعر والانقسام
وأكدت مصادر يمنية أنه بعد الضربات انتشرت حالة من الخوف والاضطراب في صفوف الحوثيين، خاصة مع تزايد الحديث عن وجود اختراقات استخباراتية داخل الجماعة.
ويرى محللون أن مقتل السعادي كشف عن ضعف أمني كبير في المنظومة العسكرية الحوثية، مما أثار الشكوك بين القيادات وأدى إلى موجة من الاتهامات المتبادلة.
أزمة ثقة داخلية
وبحسب المصادر، تصاعدت الخلافات داخل الجماعة حول كيفية التعامل مع الغارات الأمريكية، حيث وجه بعض القادة انتقادات للقيادة العسكرية بسبب فشلها في حماية الشخصيات البارزة.
جاء على رأسها اتهامات بالتقصير، حيث فُتح نقاش داخلي حول ما إذا كان هناك تسريب معلومات ساهم في تسهيل عملية الاستهداف، لذا فرض الحوثيون إجراءات أمنية جديدة، شملت نقل بعض القيادات إلى مواقع سرية، مع تعزيز المراقبة الداخلية.
كما تحدثت بعض المصادر عن استقالات بين قادة عسكريين نتيجة تصاعد التوترات.
الضربات الأمريكية
كما أن الغارات، التي بدأت منذ السبت قبل الماضي، شهدت تحولات واضحة، حيث ركزت في الأيام الأولى على استهداف غرف العمليات والمختصين الفنيين المسؤولين عن تشغيل برامج الصواريخ والطائرات المسيّرة، بالإضافة إلى مهندسي تشغيل منظومات الاتصالات.
ولاحقًا، تغيرت الاستراتيجية الأمريكية، لتستهدف بشكل مباشر، والمعسكرات العسكرية بمختلف مهامها، ومخازن الآليات العسكرية ومنصات إطلاق الطائرات المُسيّرة والصواريخ، والقوارب المفخخة التي تستخدمها الميليشيات في تنفيذ هجمات بحرية، وورش تصنيع الأسلحة ومنظومات الاتصالات.
وبحسب المصادر، فإن الضربات الأمريكية أسفرت عن مقتل وجرح العشرات من عناصر الحوثيين، من بينهم قيادات ميدانية بارزة. كما أدت إلى تدمير واسع في البنية التحتية العسكرية للميليشيات، شملت مستودعات الأسلحة، الثكنات العسكرية، والمرافق اللوجستية الحيوية.
رسائل أمريكية واضحة
لم تقتصر الضربات على التأثير العسكري، بل حملت رسائل سياسية واضحة. فقد واصلت القيادة المركزية الأمريكية بث مقاطع مصوّرة توثق لحظة انطلاق المقاتلات وتنفيذ الضربات الجوية، مرفقةً بشعارات مثل “استعادة حرية الملاحة”، في إشارة إلى عمليات الحوثيين التي تهدد الملاحة في البحر الأحمر.
كما أرفقت القيادة المركزية منشوراتها بوسم #الحوثيون_إرهابيون، في تأكيد على الموقف الأمريكي الذي يصنّف الجماعة كمنظمة إرهابية.
وفي خطوة لافتة، نشر الجيش الأمريكي صورة لإحدى مدمراته البحرية المزودة بصواريخ موجهة من نوع (DDG 68)، والتي تعمل ضمن نطاق مسؤولية القيادة المركزية الأمريكية. ويعكس هذا التحرك استمرار الالتزام الأمريكي بحماية خطوط الملاحة الدولية وردع تهديدات الحوثيين.
تصعيد متوقع أم تهدئة؟
وفي ظل هذه التطورات، يُواجه الحوثيون معضلة في تحديد استراتيجيتهم المقبلة، فمن جهة، يدفع التيار المتشدد داخل الجماعة باتجاه تصعيد الهجمات البحرية كنوع من الرد الانتقامي، بينما يدعو تيار آخر إلى التهدئة لتجنب المزيد من الضربات الأمريكية.
من المعروف أن الحوثيين يحظون بدعم إيراني عسكري ولوجستي، لكن بعض المحللين يرون أن طهران قد تتجه لتخفيف التصعيد في المنطقة لتفادي ضغوط دولية إضافية.
لذا تبقى الأيام القادمة حاسمة في تحديد ملامح الصراع في اليمن. فبينما تسعى الولايات المتحدة إلى تقويض القدرات العسكرية للحوثيين، تجد الجماعة نفسها أمام تحديات داخلية غير مسبوقة، فالسؤال الذي يطرح نفسه: هل ستتمكن الجماعة من احتواء أزمتها الداخلية، أم أن الانقسامات ستزداد وتضعف قبضتها على المناطق التي تُسيطر عليها.