في الفترة الأخيرة، شهدت ليبيا تطورات سياسية مُعقدة، حيث برزت تحالفات وتوترات أثّرت على مسار الاستقرار في البلاد، ومن بين هذه التحالفات، العلاقة بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة، والمفتي السابق، الصادق الغرياني، التي أثارت جدلًا واسعًا حول تأثيرها على العملية السياسية ومستقبل ليبيا.
ويسعى وفقًا لمراقبين إلى الدفع نحو سيناريوهات كارثية من خلال تأجيج الفوضى والتحريض على الاقتتال الأهلي، بهدف تحقيق أجندة خفيّة قد تنتهي بتنصيب الدبيبة رئيسًا لليبيا بالقوة.
تحالف الدبيبة والغرياني: دوافع وأهداف
برز تحالف بين الدبيبة والغرياني، حيث يُعتقد أن هذا التحالف يهدف إلى تعزيز نفوذ تيارات معينة داخل المشهد السياسي الليبي.
ويُتهم هذا التحالف بالسعي لإفشال أي مشاورات سياسية تهدف إلى تشكيل حكومة جديدة، مما يضمن بقاء الدبيبة في السلطة، خاصة أن الدبيبة يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة منتخبة، معتبرًا أن الأولوية هي إقرار قواعد دستورية عادلة وواضحة لإجراء الانتخابات.
وتُشير مصادر مطلعة إلى أن الدبيبة، بدعم من الغرياني، يعمل على إفشال أي مشاورات سياسية يُمكن أن تفضي إلى توافق وطني يُزيحه من المشهد.
لذا تصاعدت خطابات التحريض التي يُطلقها الغرياني ضد خصوم الدبيبة، متذرعًا بشعارات دينية لتبرير استمرار الوضع القائم ورفض الحلول السلمية، وهو أسلوب سبق أن استخدمه في أزمات سابقة لتعزيز نفوذ تيارات الإسلام السياسي.
التوترات مع الفصائل المسلحة
في إطار محاولاته لتوسيع نفوذه داخل الحكومة، تصاعد الخلاف بين الدبيبة وعبد الغني الككلي، المعروف بـ”غنيوة”، قائد “جهاز دعم الاستقرار”.
ويُعزى هذا الخلاف إلى رغبة الككلي في توسيع نفوذه داخل الحكومة ورفضه الخضوع للترتيبات الأمنية بإخلاء العاصمة من التشكيلات المسلحة، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني والسياسي في طرابلس.
مواقف الأطراف السياسية الأخرى
ويعتبر تجدد الصدام بين الدبيبة ورئيس البرلمان، عقيلة صالح، مع تبادل الاتهامات بعرقلة المسار السياسي في البلاد.
ويأتي ذلك في ظل تحركات لتشكيل حكومة جديدة، حيث اتفق رؤساء المجلس الرئاسي والبرلمان والمجلس الأعلى للدولة على ضرورة تشكيل حكومة موحدة تُشرف على الانتخابات، ومع ذلك، لم يسفر هذا التوافق عن نتائج ملموسة حتى الآن.
وبحسب مراقبين، يُدرك تحالف الدبيبة والغرياني أن أي استقرار سياسي قد يقود إلى إعادة هيكلة الحكم في ليبيا بما لا يخدم مصالحهما، وهو ما يدفعهما إلى اتباع تكتيكات خطيرة لإبقاء البلاد في حالة من الفوضى، عبر تحريض ميليشيات مسلحة على افتعال نزاعات جديدة، وافتعال أزمات أمنية من شأنها تعطيل أي مسار سياسي حقيقي.
وحذّروا من أن هذا التحالف قد يُؤدي إلى تفجر الأوضاع مجددًا في مناطق حساسة مثل طرابلس ومصراتة، حيث يتمركز نفوذ الميليشيات التابعة للدبيبة، خاصة أن أي اشتباكات جديدة قد تدخل البلاد في دوامة جديدة من الاقتتال الداخلي، مما يزيد من معاناة المدنيين ويفتح الباب أمام تدخلات أجنبية أكثر تعقيدًا.
السيناريوهات المحتملة ومستقبل ليبيا
لذا فإن استمرار التحالف بين الدبيبة والغرياني، مع محاولات إفشال المشاورات السياسية وتوسيع نفوذ الفصائل المسلحة، قد يُؤدي إلى سيناريوهات كارثية تُهدد استقرار ليبيا. من بين هذه السيناريوهات؛ تصاعد الاقتتال الأهلي، حيث قد يُؤدي التحريض المستمر والتوترات بين الفصائل المسلحة إلى اندلاع مواجهات عنيفة تُهدد السلم الأهلي.
ويحتمل أيضًا إفشال العملية الانتخابية، حيث قد تُعرقل الجهود الرامية إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة، مما يطيل أمد الأزمة السياسية.
والسيناريو الثالث هو تفاقم التدخلات الخارجية، حيث قد تستغل بعض القوى الخارجية حالة الفوضى لتعزيز نفوذها في ليبيا، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي والأمني.
كل ذلك يثبت أن ليبيا تُواجه تحديات جسيمة في مسارها نحو الاستقرار. يتطلب تجاوز هذه التحديات تضافر جهود جميع الأطراف السياسية والمجتمعية، والالتزام بحوار وطني شامل يهدف إلى تحقيق المصالحة وإجراء انتخابات حرة ونزيهة تُنهي حالة الانقسام وتؤسس لمستقبل مستقر ومزدهر للبلاد.