في خطوة مفاجئة لكنها متوقعة في الأوساط السياسية الإيرانية، أعلن محمد جواد ظريف، مساعد الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية، استقالته من منصبه مساء الأحد، مما يضع نهاية لمسيرة أحد أبرز الدبلوماسيين الإيرانيين في العقود الأخيرة.
ظريف تحت الضغط.. استقالة أم إقالة؟
وفقًا لوكالة فارس، جاءت استقالة ظريف بعد جلسة استجواب حادة لوزير الاقتصاد والمالية عبد الناصر همتي في 2 مارس 2025، لكن مصادر مقربة من الحكومة تؤكد أن الاستقالة لم تكن وليدة اللحظة، بل كانت نتيجة ضغوط متزايدة تعرض لها ظريف خلال الأشهر الماضية، خاصة من شخصيات نافذة في التيار المحافظ، وعلى رأسهم رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، الذي أوصى ظريف بالاستقالة تفاديًا للإقالة.
إحدى القضايا التي أثارت الجدل حول ظريف هي ما يُعرف بقانون “الوظائف الحساسة”، الذي يمنع تعيين شخصيات في مناصب عليا إذا كانت لديهم صلات مباشرة بدول أجنبية.
وفي حالة ظريف، كان امتلاك اثنين من أبنائه للجنسية الأميركية نقطة خلاف حادة استغلها خصومه السياسيون للطعن في شرعية تعيينه.
لم يكن جواد ظريف مجرد شخصية حكومية عابرة، بل لعب دورًا محوريًا في السياسة الخارجية الإيرانية لسنوات. فقد كان أحد مهندسي الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، الذي وقع بين طهران والقوى الكبرى، مما جعله شخصية بارزة في المشهد الدولي، لكنه في الوقت ذاته كان هدفًا دائمًا لانتقادات التيار المتشدد داخل إيران.
خلال حكومة الرئيس الأسبق حسن روحاني، قاد ظريف دبلوماسية الانفتاح التي ساهمت في توقيع الاتفاق النووي، لكنه وجد نفسه في موقف حرج بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في 2018، حيث ألقى عليه معارضوه اللوم، متهمين إياه بتقديم تنازلات كبرى لم تثمر عن نتائج إيجابية لإيران.
في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، كان ظريف داعمًا قويًا للرئيس الحالي مسعود بزشكيان، وهو ما زاد من حدة التوتر بينه وبين التيار المحافظ، الذي لم ينسَ له دوره في حكومة روحاني.
ومع تعاظم الضغوط، بدا واضحًا أن بقاء ظريف في منصبه لن يطول، خاصة في ظل المتغيرات السياسية الجديدة داخل إيران.
الخلافات الداخلية وانعكاساتها على السياسة الإيرانية
تفتح استقالة ظريف الباب أمام تساؤلات كثيرة حول مستقبل السياسة الخارجية الإيرانية، لا سيما فيما يتعلق بالمفاوضات النووية والعلاقات مع الغرب. إذ كان يُنظر إلى ظريف باعتباره شخصية قادرة على التفاوض وإدارة الأزمات، مما يجعل خروجه من المشهد مؤشرًا على تشدد أكبر في السياسة الخارجية الإيرانية خلال الفترة المقبلة.
في الداخل، تبرز استقالة ظريف كجزء من إعادة هيكلة أوسع يشهدها الفريق الحكومي، حيث يبدو أن التيار المحافظ يسعى إلى فرض سيطرته الكاملة على مراكز صنع القرار، وتقليص نفوذ الشخصيات المحسوبة على الإصلاحيين والمعتدلين.
ماذا بعد ظريف؟
حتى الآن، لم يعلن الرئيس الإيراني عن الشخصية التي ستخلف ظريف، لكن من المتوقع أن يكون البديل من التيار المحافظ، وهو ما قد يعني توجهًا أكثر صرامة في السياسة الخارجية، وربما تغييرات جوهرية في أسلوب إدارة الملفات الدبلوماسية، بما في ذلك العلاقة مع الغرب، والمفاوضات النووية، والتوترات في المنطقة.