في ظل الأجواء السياسية المشحونة في تونس، أثار اغتيال السياسي البارز محمد البراهمي في 25 يوليو 2013 موجة من الصدمة والغضب؛ مما أدى إلى تصاعد التوترات السياسية واتهامات متبادلة بين الفصائل المختلفة.
وقد وجدت حركة النهضة، الفرع التونسي لجماعة الإخوان المسلمين، نفسها في قلب هذه العاصفة، حيث واجهت اتهامات بالضلوع في الاغتيال، بينما نفت الحركة أي علاقة لها بالحادث.
اتهامات لحركة النهضة
كان محمد البراهمي، الأمين العام لحزب التيار الشعبي اليساري، معروفًا بانتقاده اللاذع لحركة النهضة وحكومتها، التي كانت تقودها في ذلك الوقت.
اغتياله جاء بعد أشهر فقط من اغتيال السياسي اليساري الآخر شكري بلعيد؛ مما أثار مخاوف من وجود حملة ممنهجة تستهدف المعارضين السياسيين.
وبعد الاغتيال، اتهمت عائلة البراهمي وأحزاب معارضة أخرى حركة النهضة بالوقوف خلف الاغتيال، مشيرين إلى ما وصفوه بـ”خطاب الكراهية” الذي تبنته الحركة ضد المعارضين.
كما أشارت أصابع الاتهام إلى جماعات إسلامية متطرفة كانت تعمل في ذلك الوقت، مع اتهامات بأن حركة النهضة قد تكون متواطئة أو متساهلة مع هذه الجماعات.
وفي أكتوبر 2018، كشفت هيئة الدفاع عن البراهمي وبلعيد عن وجود “جهاز سري” تابع لحركة النهضة، متورط في عمليات اغتيال وتخابر، وأشارت الهيئة أن هذا الجهاز كان يديره مصطفى خذر، العضو في حركة النهضة، والمتهم بتورطه في اغتيال البراهمي.
رد فعل حركة النهضة
من جانبها، نفت حركة النهضة أي تورط في الاغتيال، ووصفت الحادث بأنه “جريمة إرهابية” تهدف إلى زعزعة استقرار البلاد، وأكدت الحركة على إدانتها للعنف ودعتها إلى التحقيق الشفاف في الحادث.
كما حاولت الحركة تجنب التصعيد، ودعت إلى الحوار الوطني لاحتواء الأزمة السياسية المتفاقمة، وأكدت التزامها بالمسار الديمقراطي ورفضها للعنف السياسي.
كما وصف رئيس الحركة، راشد الغنوشي، الاتهامات بأنها “حملة تشويه” تهدف إلى النيل من سمعة الحركة ومكانتها السياسية.
تداعيات الاغتيال
وأدى اغتيال البراهمي إلى تفاقم الأزمة السياسية في تونس، حيث خرجت مظاهرات حاشدة تطالب بإسقاط الحكومة.
كما أدى الحادث إلى تعطيل عمل المجلس التأسيسي لعدة أشهر؛ مما أخر عملية صياغة الدستور الجديد. وفي النهاية، أدت الأزمة إلى استقالة الحكومة بقيادة النهضة وتشكيل حكومة تكنوقراط مؤقتة.
وفي يونيو 2022، وجه القضاء التونسي تهمة الإرهاب إلى راشد الغنوشي وآخرين في قضية اغتيال البراهمي وبلعيد، كما تم فتح تحقيق رسمي بشأن “الجهاز السري” لحركة النهضة في يناير 2022.
أول حكم قضائي
وبعد مرور 12 عامًا على اغتيال البراهمي، أصدرت محكمة تونسية، الثلاثاء الماضي، حكما بإعدام 8 أشخاص، كما قضت بسجن متهم تاسع لمدة 5 سنوات، وهذه الأحكام هي الأولى في قضية البراهمي حيث تم تأجيلها عدة مرات.
فيما سارعت ركة النهضة الإخوانية بتبرئة نفسها، عبر بيان زعمت فيه براءتها من عملية الاغتيال، وادعت الحركة أنها “كانت أكبر متضرّر من الاغتيالات السياسية”.
كما ادعت أنها “طالبت مرارا بالتعجيل بالبتّ في هذه القضايا، خاصة أنّ العناصر الإجرامية، التي خططت ونفّذت عمليات الاغتيال تم القبض عليها في وقت وجيز عندما كانت الحركة مشاركة في الحكومة”.
ويتزامن دلك مع مطالبة التونسيون بضرورة أن لا تقتصر المحاسبة على “من نفذ الاغتيالات فقط”، بل يجب محاسبة من خطط لذلك ومن تساهل معهم، في إشارة إلى حركة النهضة، التي كانت تتولى الحكم حينها وخلفياتها المتشددة.
كما يرى مراقبون للمشهد السياسي التونسي، أن قضية اغتيال البراهمي تنقسم إلى عدة ملفات، وهي مجموعة التنفيذ، والرصد والاستقطاب، والجهاز السري (للإخوان)، ومجموعة التخطيط.
وبين الاتهامات الموجهة لحركة النهضة بوجود جهاز سري متورط في اغتيال البراهمي، ونفي الحركة لتلك الاتهامات، تستمر القضية في إثارة الجدل في الساحة التونسية،لذا يبقى الشارع التونسي مترقبًا لكشف الحقائق وتحقيق العدالة.