في ظل استمرار الصراع الدائر في اليمن، تتزايد المخاوف من تأثيرات الحرب على مستقبل التعليم في البلاد، حيث تتهم منظمات حقوقية ومصادر محلية مليشيات الحوثي بعسكرة التعليم واستغلاله كأداة لترويج أيديولوجيتها وتجنيد الأطفال؛ مما يهدد بضياع جيل كامل من مستقبلهم.
استمارات تحت التهديد
وفي تطور مقلق يعكس انتهاكات جماعة الحوثي المستمرة بحق الأطفال والمجتمع اليمني، كشف الصحفي صدام الحريبي عن حملة جديدة نفذتها الجماعة الإرهابية في العاصمة صنعاء، حيث قامت بإرسال عناصرها إلى بعض المدارس لتوزيع استمارات على الطلاب تحت التهديد والقوة.
وبحسب ما كشفه الحريبي، فإن هذه الاستمارات تتضمن طلب تفاصيل دقيقة عن الطلاب، بما في ذلك أسماؤهم الكاملة، وأرقام هواتفهم (لمن يمتلكون هواتف)، ومواقع سكنهم الدقيقة، وذلك باستخدام أساليب الإكراه والضغط النفسي.
ويعتبر الهدف الأساسي من جمع هذه المعلومات، لاستقطاب الطلاب وإخضاعهم لدورات تدريبية قسرية في معسكرات “الخمسين”، قبل إرسالهم إلى جبهات القتال التي تشهدها البلاد منذ سنوات.
كما يعمل الحوثيون، منذ ديسمبر 2024، على حشد الطلاب في مناطق سيطرتهم وإجبارهم على الانخراط في دورات عسكرية، وذلك في إطار حالة الاستنفار التي تعيشها الجماعة تحت مزاعم “الاستعداد للمواجهة مع إسرائيل وعملائها في الداخل”، حدَّ قولها.
حادثة مفجعة
فيما شهدت محافظة تعز اليمنية في 6 فبراير الجاري على خبر صادم عقب تعرض مجموعة طلاب لوابل من النيران داخل معسكر تدريب للحوثيين، وأودت بحياة طالبين على الأقل، وأُصيب آخرين بجروحٍ متفاوتة، وذلك بعد أن أجبرت مليشيات الحوثي ألفًا وخمسمائة طالب من فروع جامعتي “الحكمة” و”العلوم والتكنولوجيا” على أخذ دورات قتالية في إطار برنامجها لعسكرة الجامعات.
وأحاط الحوثيون الحدث بتكتم شديد، إذ وقعت مجزرة الطلاب خلال عملهم في مناورة بالذخيرة الحية، وذلك عقب فرض الجماعة دورة سلاح لطلاب الجامعات.
وحشدت مليشيات الحوثي الآلاف من 10 جامعات حكومية خاضعة لها، منها الجامعات الكبرى في صنعاء وإب وذمار والحديدة، بالإضافة إلى الجامعات الخاصة والمعاهد، كـ”معهد معبر العالي للعلوم الصحية بذمار”.
واعترفت مليشيات الحوثي بأنها فرضت التدريبات العسكرية على أكثر من 6 آلاف و714 طالبًا من طلاب جميع الجامعات في صنعاء، بما في ذلك جامعة صنعاء، كبرى الجامعات الحكومية في البلاد.
عسكرة التعليم
وتشير تقارير حقوقية، أن مليشيات الحوثي، التي تسيطر على أجزاء واسعة من شمال اليمن، تعمل على تحويل المدارس إلى مراكز لتلقين الأفكار الأيديولوجية التابعة لها. وقد تم إدخال مناهج جديدة تروج لرؤية المليشيات السياسية والدينية، مع حذف أو تشويه المواد التي لا تتوافق مع توجهاتها.
وتفيد مصادر محلية، بأن المليشيات تقوم بتجنيد الأطفال من المدارس، مستغلة ظروف الفقر والحرب لإقناعهم بالانضمام إلى صفوفها. ويتم تدريب هؤلاء الأطفال على استخدام الأسلحة وإرسالهم إلى جبهات القتال؛ مما يحرمهم من حقهم الأساسي في التعليم ويضع مستقبلهم في خطر.
تدمير البنية التحتية التعليمية
ولم تقتصر انتهاكات المليشيات على تحريف المناهج، بل امتدت إلى تدمير البنية التحتية للتعليم. فقد تم تحويل العديد من المدارس إلى ثكنات عسكرية أو مراكز اعتقال؛ مما أدى إلى حرمان آلاف الطلاب من حقهم في التعليم. كما تعرضت مدارس أخرى للقصف أو التدمير الكامل في مناطق الصراع.
وتشير منظمة اليونيسف، أن أكثر من مليوني طفل يمني خارج المدرسة، بينما يعاني 4.5 مليون طفل من خطر انقطاعهم عن التعليم بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية.
تأثيرات طويلة الأمد
ويؤكد خبراء التعليم، أن عسكرة التعليم وتجنيد الأطفال ستكون لها تأثيرات كارثية على مستقبل اليمن. فبدلاً من بناء جيل قادر على إعادة إعمار البلاد، يتم إنتاج جيل مشبع بالكراهية والعنف، مما يعمق أزمات المجتمع اليمني ويطيل أمد الصراع.
وتحذر المنظمات الدولية من أن استمرار هذه الممارسات سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، حيث سيكون جيل كامل غير قادر على المساهمة في بناء السلام أو التنمية.
نداءات دولية للتدخل
لذا تدعو منظمات حقوقية المجتمع الدولي إلى الضغط على مليشيات الحوثي لوقف انتهاكاتها ضد التعليم، والعمل على إعادة تأهيل المدارس وتوفير بيئة تعليمية آمنة للأطفال. كما تطالب بضرورة محاسبة المسؤولين عن تجنيد الأطفال واستغلالهم في الصراع.
وفي الوقت نفسه، تؤكد اليونيسف وشركاؤها على أهمية دعم التعليم في اليمن كجزء أساسي من جهود الإغاثة الإنسانية، مع التركيز على توفير التعليم النوعي الذي يعزز قيم السلام والتسامح.
وفي ظل استمرار الصراع وتصاعد الانتهاكات، يبقى مستقبل التعليم في اليمن غامضاً. فبدون تدخل عاجل وفعال، قد تفقد البلاد جيلاً كاملاً من أطفالها؛ مما سيؤدي إلى تفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية لعقود قادمة.
يذكر أن اليمن يشهد صراعًا داميًا منذ عام 2014، عندما سيطرت مليشيات الحوثي على العاصمة صنعاء؛ مما أدى إلى تدخل تحالف عربي بقيادة السعودية لدعم الحكومة الشرعية. وقد خلّف الصراع آلاف القتلى والمشردين، بالإضافة إلى تدمير كبير في البنية التحتية للبلاد.