في خطوة لافتة، أصدر الرئيس التونسي قيس سعيد قرارًا بإقالة وزيرة المالية سهام البوغديري، ليعين مشكاة الخالدي خلفًا لها.
هذه الإقالة، التي جاءت عقب زيارة تفقدية للرئيس لمقرات وزارة المالية ووزارة أملاك الدولة، سلطت الضوء مجددًا على ملف الأموال المصادرة، الذي ما يزال يراوح مكانه منذ الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي عام 2011.
ولم تكن هذه الإقالة مجرد قرار إداري روتيني، بل تعكس حربًا أعمق تدور داخل مؤسسات الدولة، حيث تواجه الحكومة تحديات ضخمة في تطهير مؤسساتها من شبكات النفوذ القديمة، وعلى رأسها العناصر المرتبطة بتنظيم الإخوان الارهابي، التي ما تزال تمتلك تأثيرًا واسعًا داخل أجهزة الدولة، وفقًا لمراقبين للمشهد التونسي.
الأموال المصادرة.. ملف معطل ورهانات سياسية
يعد ملف الأموال المصادرة من بين أبرز الملفات العالقة التي تعرقل مسار الإصلاحات الاقتصادية في تونس.
فمنذ سقوط النظام السابق، قامت الدولة بمصادرة مئات الشركات والعقارات والممتلكات التي تعود لعائلة بن علي ورجال أعمال محسوبين على نظامه.
لكن، وعلى الرغم من مرور أكثر من 13 عامًا على بدء هذه العملية، ما تزال جهود استعادة هذه الأموال تشهد تباطؤًا كبيرًا، ما دفع الرئيس سعيد إلى توجيه انتقادات مباشرة للمسؤولين عن هذا الملف، معتبرًا أن التلاعب في إدارة هذه الممتلكات يقف خلفه لوبيات تسعى إلى ضرب السيادة الوطنية.
في هذا السياق، يرى محللون، أن الشبكات المرتبطة بتنظيم الإخوان تسببت بشكل مباشر في تعطيل عملية استرجاع الأموال المنهوبة، إما عبر إغراق الملف في دوامة من الإجراءات الإدارية والقضائية المعقدة، أو من خلال صفقات مشبوهة جرت خلال فترة حكم النهضة، سمحت لبعض رجال الأعمال بالحصول على أصول ضخمة بأسعار زهيدة.
التغلغل في مؤسسات الدولة.. إرث الإخوان المتواصل
لم يكن تعطيل ملف الأموال المصادرة سوى جزء من مشكلة أعمق تتعلق باستمرار نفوذ الإخوان داخل مؤسسات الدولة، وهو النفوذ الذي زرعته حركة النهضة طوال 12 عامًا من وجودها في الحكم.
ففي الفترة التي أعقبت 2011، قامت النهضة بتعيين آلاف الأشخاص داخل الإدارات والمؤسسات الحكومية والوزارات، وهو ما أطلق عليه آنذاك “مخطط التمكين”، حيث سعت الحركة إلى ضمان سيطرتها على مراكز القرار في الدولة، حتى في حال خروجها من الحكم.
وبحسب تقارير رسمية، فقد شهدت فترة حكم الإخوان تعيين ما يزيد على 90 ألف شخص في وظائف حكومية، بعضهم في مواقع حساسة داخل مؤسسات المال والاقتصاد. وهو ما يفسر – وفق خبراء – استمرار العراقيل التي تواجهها حكومة قيس سعيد في تنفيذ قراراتها المتعلقة بإصلاح الجهاز الإداري والاقتصادي.
معركة مستمرة لاستعادة السيطرة
يبدو أن الرئيس قيس سعيد يدرك حجم التعقيدات التي تواجه مشروعه لإعادة هيكلة مؤسسات الدولة، وهو ما يفسر إقالته لوزيرة المالية، كجزء من عملية إعادة ترتيب المشهد داخل الحكومة، ومحاولة كسر حلقات النفوذ التي تعيق تنفيذ الإصلاحات المالية والاقتصادية.
في ظل هذه التحديات، يبدو أن الصراع بين مشروع إعادة بناء الدولة التونسية وبين شبكات النفوذ التي زرعتها حركة النهضة ما يزال مفتوحًا على احتمالات متعددة، خاصة في ظل استمرار العقبات أمام تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي وعد بها الرئيس سعيد.