رحيل يوسف ندا، أحد أبرز أعمدة الشبكة المالية لجماعة الإخوان المسلمين، وحبس خيرت الشاطر، القيادي المؤثر في مصر، يفتح الباب أمام تساؤلات حاسمة حول مستقبل السيطرة على الإمبراطورية المالية للجماعة.
التي كانت لعقود طويلة الشريان الرئيسي لأنشطتها السياسية والتنظيمية حول العالم.
ولطالما اعتمدت جماعة الإخوان على نهج قيادة الظل لضمان استمرارية أنشطتها، خصوصًا في ظل الضغوط الأمنية والسياسية.
ومع غياب ندا، الذي شكّل مركز الثقل المالي للجماعة في الخارج، يبدو من المحتمل أن تسند إدارة الشبكة المالية إلى شخصيات جديدة تعمل بعيدًا عن الأضواء.
ويرجح أن قيادة الجماعة ستتبنى نموذجًا مختلفًا عن أسلوب القيادة الفردية التي تميز بها ندا.
حيث قد تعتمد على هيكلية أكثر مرونة وتوزيع الأدوار بين عدد من الأفراد أو اللجان لضمان استمرارية العمل المالي وتجنب تركيز السلطة المالية في يد شخصية واحدة فقط.
التحول نحو نظام الإدارة الجماعية
هذا التحول قد يكون ضرورة فرضتها الظروف الحالية التي تواجه الجماعة، فمع تزايد الرقابة الدولية والملاحقات القانونية لأنشطتها الاقتصادية.
يبدو من الطبيعي أن تتجه إلى نظام إدارة جماعي يقلل من المخاطر التي قد تتعرض لها مصالحها في حال اكتشاف أو استهداف شخصية قيادية بعينها.
والإدارة الجماعية توفر ميزات عديدة، من بينها توزيع الأدوار والمهام بما يضمن السرية، كما أنها تقلل من فرص انهيار الشبكة المالية في حال تعرض أحد أفرادها للتوقيف أو الكشف.
هذا الأسلوب قد يضعف فعالية اتخاذ القرار وسرعة الاستجابة للتحديات المفاجئة، مما قد يؤدي إلى تراجع قدرة الجماعة على تمويل أنشطتها بنفس الكفاءة السابقة.
الجماعة تواجه تحديات كبيرة على عدة مستويات في ظل غياب قياداتها المالية التاريخية، أولاً، هناك التحدي اللوجستي المتعلق بإعادة ترتيب الشبكة المالية وتعزيز مواقعها في أوروبا وأماكن أخرى، حيث تواجه ضغوطًا متزايدة من السلطات المحلية.
وهناك التحدي المتعلق بالحفاظ على تدفق الأموال بطريقة آمنة وسط تضييق الخناق على الحسابات المصرفية والأنشطة الاقتصادية التي قد ترتبط بالجماعة بشكل مباشر أو غير مباشر.
على الصعيد الدولي، تعمل الحكومات الغربية على تصنيف أنشطة الإخوان ضمن إطار أكثر تشددًا؛ مما يجعل من الصعب عليهم تأسيس كيانات اقتصادية أو تشغيلها في هذه الدول دون جذب الانتباه.
ووفق مصادر خاصة، ستضطر القيادة المالية الجديدة إلى البحث عن طرق مبتكرة للحفاظ على الشبكة، مثل العمل من خلال وسطاء أو الاستثمار في مجالات يصعب ربطها بالجماعة مباشرة.
حيث إن المرحلة القادمة قد تشهد تراجعًا نسبيًا في الموارد المالية المتاحة للجماعة، خاصة مع غياب أسماء بارزة قادرة على تأمين الدعم المالي مثل ندا والشاطر.
ومع ذلك، فإن الجماعة أظهرت تاريخيًا قدرة ملحوظة على التكيف مع الضغوط، وقد تلجأ إلى استراتيجيات جديدة لتعزيز مصادرها المالية، مثل توسيع شبكات الدعم الشعبية، أو التركيز على الأنشطة الصغيرة والمتوسطة التي لا تثير الشكوك.
وفي ظل هذه التحديات، يبدو أن الجماعة قد تضطر إلى تقليص بعض أنشطتها أو إعادة ترتيب أولوياتها بما يتناسب مع الموارد المتاحة. هذا التحول قد يؤثر على قدرتها على الحفاظ على نفوذها السياسي والاجتماعي.
سواء في الدول التي تعمل فيها علنًا أو في تلك التي تمارس أنشطتها تحت غطاء السرية.
بين السرية والاستمرارية
رحيل يوسف ندا وحبس خيرت الشاطر يرمزان إلى نهاية فصل مهم في تاريخ الجماعة المالي، لكن النهاية لا تعني التوقف.
فمن الواضح أن الجماعة تمتلك من المرونة ما يكفي للتكيف مع الواقع الجديد، معتمدة على استراتيجيات مبتكرة وقيادات تعمل من خلف الكواليس.
مع ذلك، فإن قدرتها على الحفاظ على هذه الشبكة في مواجهة الضغوط الدولية المتزايدة ستكون العامل الحاسم في تحديد مدى نجاحها في الصمود والاستمرار.
خيوط اللعبة المالية قد تكون الآن أكثر تعقيدًا، لكنها تظل بين أيدي جماعة احترفت التكيف مع الأزمات والاختفاء عن الأنظار حينما تشتد العواصف.