بعد غياب استمر لثلاثة أشهر، عادت ما يسمى بـ”جبهة الخلاص الوطني” في تونس، التي تعد أبرز واجهات جماعة الإخوان الإرهابية في البلاد، لتنظيم مسيرات احتجاجية تهدف إلى الضغط من أجل الإفراج عن رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وعدد من قيادات الإخوان في السجون.
حيث جاءت هذه العودة العلنية عبر مسيرة نُظمت يوم الثلاثاء الماضي، مستهدفة إعادة لفت الأنظار إلى مطالب الجماعة، التي تسعى لاستعادة مكانتها في المشهد السياسي التونسي.
وآخر تحرك علني للجبهة يعود إلى أوائل أغسطس الماضي، حين فشلت في استقطاب المشاركين إلى وقفة احتجاجية؛ مما دفعها لاحقًا إلى التوقف عن التظاهر العلني.
ووفقًا لتصريحات رئيس الجبهة، أحمد نجيب الشابي، فإن غيابهم الطويل كان نتيجة ما وصفه بـ”ركود الحياة السياسية” عقب فوز الرئيس قيس سعيد بالانتخابات الرئاسية، هذه الفترة، بحسب مراقبين، شهدت تكتيكات جديدة للجماعة اتسمت بالعمل السري بعيدًا عن الأضواء.
توقيت محسوب ورمزية تاريخية
وعودة الإخوان إلى الساحة السياسية تأتي في سياق مدروس، حيث تزامنت مع اقتراب شهر يناير، المعروف في تونس برمزيته التاريخية كفترة احتجاجات وتحركات اجتماعية، والخطوة تهدف إلى استغلال الفرصة لتحقيق اختراق سياسي في ظل الأوضاع الاجتماعية الصعبة.
حيث إن شهر يناير يحمل ذكريات مؤثرة في التاريخ السياسي التونسي، أبرزها أحداث 1978: صدامات بين الاتحاد العام التونسي للشغل وسلطة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة.
وكذلك انتفاضة الخبز 1984، غليان شعبي كبير كاد يطيح بحكم بورقيبة، وأحداث الحوض المنجمي 2008: احتجاجات اجتماعية واسعة ضد الأوضاع الاقتصادية.
وأخرها ثورة 2011: التي اطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي ومغادرته تونس نهائيًا.
وهذه الأحداث ترسخت في الوعي الجمعي للتونسيين؛ مما يجعل هذا الشهر أرضية خصبة لأي تحركات سياسية أو اجتماعية.
العمل السري: استراتيجية قديمة جديدة
رغم غيابها العلني، لم تختف حركة النهضة عن المشهد بالكامل، بل لجأت إلى العمل السري كوسيلة لإعادة تنظيم صفوفها.
ويشير الخبراء، أن هذا النهج ليس بجديد على الحركة، التي سبق أن اعتمدته خلال التسعينيات عندما شدد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي قبضته على أنشطتها.
وخلال الأشهر الماضية، اتهم الرئيس قيس سعيد حركة النهضة بالعمل على تأجيج الأوضاع الاجتماعية والسياسية في البلاد؛ مما يسلط الضوء على محاولاتها المستمرة للتأثير على المشهد السياسي من وراء الكواليس.
وتواجه حركة النهضة وقادتها عدة قضايا قانونية، من أبرزها غسل الأموال، تلقي تمويلات أجنبية مشبوهة، التورط في اغتيالات سياسية، والتآمر على أمن الدولة.
إضافة إلى ذلك، يُتهم الحزب بتسهيل تسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتر والإرهاب في الخارج. هذه القضايا تعقد محاولات الحركة للعودة إلى الساحة السياسية، لكنها في الوقت ذاته تُعد دافعًا لها للبحث عن أي فرصة لإعادة التموقع والضغط على السلطات.
تمثل عودة “جبهة الخلاص” إلى المشهد محاولة جديدة من الإخوان لاستغلال الأوضاع الاجتماعية والسياسية في تونس لإعادة فرض نفسها على الساحة.