الأحداث المشتعلة في لبنان، وتحديدًا الاشتباكات بين حزب الله وإسرائيل، تركت بصمتها العميقة على المشهد السياسي اللبناني المتأزم.
حيث تعيش لبنان حالة من الفراغ السياسي المستمر منذ سنوات عقب عدم التواصل لانتخاب رئيساً للبلاد في ظل خلافات كبرى في البرلمان وبين الأحزاب اللبنانية.
التصعيد العسكري المتزايد عند الحدود الجنوبية يضع البلاد أمام مخاطر كبرى، ليس فقط على مستوى الأمن القومي، بل أيضاً على توازن القوى الداخلية الهش.
حزب الله، كأحد اللاعبين الأساسيين في لبنان، يعزز موقعه الداخلي في ظل الأوضاع المتوترة، مما يزيد من تعقيد الحسابات السياسية للتيارات المعارضة التي تسعى جاهدة لموازنة نفوذه المتزايد.
الهيمنة الأمريكية
وقد ألمح مسؤولون أميركيون، إلى أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تدفع نحو استخدام هجوم إسرائيل على حزب الله كفرصة لإنهاء هيمنته التي استمرت لفترة طويلة من خلال انتخاب رئيس لبناني جديد، يبدو أن الولايات المتحدة استقرت على نهجها هذا.
ومن المؤكد أن الولايات المتحدة وإسرائيل ستستفيدان من إلحاق الهزيمة بعدو مشترك هو حزب الله الذي تستخدمه طهران لتهديد الحدود الشمالية لإسرائيل، رغم أن تشجيع الحملة العسكرية الإسرائيلية المتوسعة ينذر باندلاع صراع يخرج عن السيطرة.
وتتعرض الحكومة اللبنانية لضغوط غير مسبوقة في ظل حالة الانقسام السياسي، حيث تجد نفسها عاجزة عن اتخاذ مواقف حاسمة إزاء الصراع مع إسرائيل دون الدخول في مواجهات مباشرة قد تدفع البلاد إلى حرب شاملة.
هذا الضعف السياسي ينعكس في تراخي الدولة ومؤسساتها عن أداء دورها في إدارة الأزمة، مع تفاقم الغضب الشعبي على الفشل الحكومي في تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين، خاصة مع تصاعد وتيرة النزوح نحو الداخل السوري وتردي الأوضاع الاقتصادية.
على مستوى العلاقات الدولية، يواجه لبنان تحديات معقدة، إذ يجد نفسه في قلب التجاذبات الإقليمية والدولية. من جهة، يدعم حزب الله استراتيجيات محور المقاومة في مواجهة إسرائيل، بينما يسعى البعض داخل الساحة السياسية اللبنانية للحفاظ على علاقات جيدة مع الغرب والخليج.
هذا التناقض يعزز من حالة الجمود السياسي ويزيد من صعوبة التوصل إلى توافق وطني بشأن المستقبل السياسي للبلاد.
النخب السياسية اللبنانية بدورها تجد نفسها أمام معادلة صعبة، إذ يتعين عليها التوازن بين احتواء الأزمات الداخلية المتزايدة وبين الضغوط الإقليمية التي تؤثر بشكل مباشر على الأوضاع الداخلية.
ومع ازدياد التدخلات الخارجية، خاصة من قبل القوى الكبرى، تزداد احتمالات تفكك التحالفات السياسية القائمة وتشكيل مشهد جديد قائم على مصالح الأطراف الخارجية المتصارعة.
في ظل هذا التصعيد المستمر، يتوقع أن يشهد المشهد السياسي اللبناني مزيدًا من الانقسامات، حيث ستستمر القوى التقليدية في التنافس على البقاء، بينما يسعى حزب الله إلى تعزيز نفوذه الإقليمي والمحلي، الأمر الذي قد يقود لبنان إلى مرحلة جديدة من الأزمات السياسية والأمنية.