يبدو أن رفض الجيش السوداني المشاركة في مفاوضات جنيف التي تهدف لإحلال السلام في البلاد التي دمرتها الحرب، ليس تمسكاً بشروط معلنة لأجل السودان وأمنها واستقرارها، وإنما لزيادة مدة الأزمة الممتدة لما يقرب من عام ونصف واعتمادًا على أطراف خارجية تفتك بالأهالي والمدن التي تفشى بها الأمراض والأوبئة والظلم والمعاناة والبؤس.
على مدار تلك الفترة، رفض رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، المشاركة في المحادثات وإرسال وفد إلى جنيف، إذ أبدى تحفظا على آلية المحادثات والمشاركين بها، ليخفي في الوقت نفسه تورط الجيش في عدة جرائم ضخمة واستعانته بأسلحة خارجية لضرب السودانين وأيضا بمرتزقة بين صفوف الجيش.
وهو ما تم كشفه بطريقة صادمة ومخزية في الوقت نفسه، حيث انتشرت صور للضباط الأوكرانيين الذين تبين أنهم يقاتلون ضمن صفوف الجيش السوداني لاستهداف المدنيين وقتلهم.
ظهرت تلك الصورة الفاضحة للمرتزقة، في 16 من الشهر الجاري، بعد أن تم تسريبها في الاعلام تعود لضباط أوكرانيين مختصين في تشغيل الطيران المسير يتواجدون مع عناصر كتيبة البراء بن مالك في قاعدة وادي سيدنا لتشغيل الطيران المسير بهدف الفتك بالمدنيين، لتثير زوبعة ضخمة تحركت سريعًا على إثرها لجان الإخوان و البرهان وأجهزته الأمنية القمعية لتضليل الرأي العام عبر نشر إفتراءات واخبار مزيفة بأن الصور “تعود لثوار من الشباب مع صحفيين أجانب يتبعون لقناة أجنبية في منطقة أمدرمان”، وهو ما ثبت زيفه.
كما أن تلك اللجان المضللة للرأي العام لم تتمكن من إخفاء تقارير أجنبية ومقاطع فيديو سابقة تكشف تورط قوات أوكرانية، خاصة في حرب السودان والمشاركة في العمليات القتالية إلى جانب الجيش السوداني في حربه ضد قوات الدعم السريع، في إطار استراتيجية تهدف إلى تقويض العمليات العسكرية والاقتصادية الروسية في الخارج.
أثارت تلك الصور حالة غضب واسعة بين المواطنين السودانيين، وظهر السخط والتنديد عبر منصة “إكس”، حيث كتبت الناشطة السودانية ريهام عثمان: “الناس في الجيش جابوا أوكرانيين يقاتلوا معاهم .. قاعدين تدفعوا ليهم بالجنيه السوداني ولّا ذهب؟ ياخ ما تخجلوا، تجيبوا مرتزقة من آخر الدنيا ولسه ما شفنا انتصار!”، واعتبرت الناشطة السودانية النسوية وداد المهدي ذلك “سقطة جديدة من سقطات جيش البرهان بعد الهزائم التي تلقاها”.
وأكدت الناشطة السودانية مروة كمال، أن: “وجود ضباط أوكرانيين يساعدون الجيش السوداني يثير تساؤلات حول مسؤولياتهم الأخلاقية وباعتبارهم أفرادًا مدربين على الأخلاقيات العسكرية والقانون الدولي فإن من واجب هؤلاء الضباط التأكد من أن أفعالهم لا تساهم في انتهاكات حقوق الإنسان أو انتهاكات القانون الدولي”.
ويرى السوداني محمود الطاهر: “استعان الجيش السوداني بضباط أوكرانيين لشن الطيران المسير على المدنيين في السودان لإنهم مختصون في ذلك من أجل خدمة مصالحه الشخصية وتحقيق أجندة الحركة الإسلامية أنصار عمر البشير “، وأكدت أسماء محمد أن ذلك: “بسبب ان الجيش أصبح ضغيف للغاية أمام طرف النزاع الآخر بالسودان، وما يحدث ما هو إلا تضليل للرأي العام الذي أصبح أداة في يد البرهان”.
وتساءل سوداني آخر: “الناس في الجيش جابوا أوكرانيين يقاتلوا معاهم.. قاعدين تدفعوا ليهم بالجنيه السوداني ولّا ذهب؟ ياخ ما تخجلوا يا زول، تجيبوا مرتزقة من آخر الدنيا ولسه ما شفنا انتصار!”.
وفي مارس الماضي، كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، أن أوكرانيا تأمل من خلال قتالها إلى جانب الجيش السوداني في حربه ضد قوات الدعم السريع، في جعل الحرب أكثر تكلفة بالنسبة لموسكو، مضيفة أنه عندما وجد قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، نفسه محاصراً من قبل قوات الدعم السريع في عاصمة البلاد الصيف الماضي، “اتصل بحليف غير متوقع للمساعدة: الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وناشد البرهان زيلينسكي طالبا المساعدة بعد أن قادم السودان بتزويد أوكرانيا سرًا بالأسلحة في عام 2022، وبعد أسابيع قليلة من المكالمة، هبطت القوات الخاصة في السودان، وبدأت عمليات مطاردة قوات الدعم السريع من العاصمة السودانية، بحسب عدد من الجنود الأوكرانيين الذين شاركوا في العملية.
وأشارت الصحيفة. إلى أن الجيش الأوكراني بدأ في تدريب الجنود السودانيين على بعض التكتيكات نفسها التي ساعتدهم على التصدي للجيش الروسي، بما في ذلك الطائرات المسيرة، مضيفة أن الأوكرانيين ساعدوا في تسليم طائرات مسيرة تركية من طراز “بيرقدار” قادرة شن غارات جوية عالية الدقة في السودان في شهر فبراير الماضي.
ووأردت “مايزال نفوذ أوكرانيا محسوسًا في السودان، ففي الأسابيع الأخيرة استعاد الجيش السوداني السيطرة على جزء كبير من أمدرمان، وهو أول اقترح كبير لها في الصراع”.
ويعتبر الاستعانة بالطائرات المسيرة الأوكرانية تشير إلى أن قائد الجيش يقدم نفسه حليفا للغرب، وإن تفاصيل خطاباته وأحاديثه الأخيرة شملت مفردات يحتاج الغرب إلى سماعها، مثل التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان، في محاولة لإعادة التموضع وإعادة تشكيل تحالفاته الدولية.