منذ الأمس تشتعل حالة من الغضب والتساؤلات في إسرائيل بسبب طلب المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، كونهما يتحملان المسؤولية عن الجرائم ضد الإنسانية في غزة.
وكان لذلك القرار أصداء غربية عديدة، رغم أن الدول الغربية ساعدت على فكرة إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، وشجعت على محاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب والإبادة الجماعية، إذ سبق أن حثت العمل على استصدار قرار من المحكمة باعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزعم ارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا، إلا إن موقفها من طلب المدعي العام للجنائية الدولية باعتقال قادة من إسرائيل وحماس كان مختلفا تمامًا إذ وصل حد الانتقاد.
وجاء رد الفعل الأول والأكبر من الولايات المتحدة، إذ قال الرئيس الأميركي جو بايدن: “دعوني أكن واضحًا: أيًا كان ما يعنيه هذا المدعي العام، لا يوجد أي تكافؤ على الإطلاق بين (موقفي) إسرائيل وحماس”.
فيما أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن – في بيان -، أن الولايات المتحدة ترفض طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار أوامر اعتقال بحق مسؤولين في إسرائيل وحركة حماس، مضيفٍا: “نرفض أن يجعل المدعي العام (موقف) إسرائيل مكافئا لحماس”.
بينما في القارة الأوروبية، قال المستشار النمساوي كارل نيهامر: “إننا نحترم استقلال المحكمة الجنائية الدولية احترامًا كاملًا. غير أن حقيقة ذكر زعيم منظمة حماس الإرهابية، التي هدفها المعلن هو القضاء على دولة إسرائيل، في نفس الوقت الذي يذكر فيه الممثلون المنتخبون ديمقراطيا لتلك الدولة ذاتها، أمر لا يمكن فهمه”.
واعتبر رئيس وزراء التشيك بيتر فيالا: “اقتراح المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرة اعتقال بحق ممثلي حكومة منتخبة ديمقراطيا مع قادة منظمة إرهابية إسلامية أمر مروع وغير مقبول على الإطلاق”.
وأضاف: “يجب ألا ننسى أن حماس هي التي هاجمت إسرائيل في أكتوبر وقتلت وأصابت وخطفت الآلاف من الأبرياء. هذا الهجوم الإرهابي غير المبرر على الإطلاق هو الذي أدى إلى الحرب الحالية في غزة ومعاناة المدنيين في غزة وإسرائيل ولبنان”.
وفي لندن، قال المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك: إن قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية طلب إصدار أمر باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غير مفيد.
واعتبر المتحدث، في إشارة إلى القرار الذي اتخذه المدعي العام للمحكمة، “هذا الإجراء لا يساعد في تحقيق وقف القتال أو إخراج الرهائن أو إدخال المساعدات الإنسانية”.
وفي روما، قال وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، الاثنين، إن المساواة بين الحكومة الإسرائيلية وحركة حماس “غير مقبول”، وذلك في أول تعليق له على طلب المدعي العامة للمحكمة الجنائية الدولية إصدار أوامر اعتقال بحق زعماء إسرائيل وحركة حماس.
وأضاف – في تصريحات تلفزيونية -: “يبدو لي أمرًا غريبًا حقًا، وأود أن أقول غير مقبول، مساواة حكومة منتخبة بشكل شرعي من قبل الشعب في دولة ديمقراطية مع منظمة إرهابية هي سبب كل ما يحدث في الشرق الأوسط”.
كما أعربت ألمانيا، عن أسفها لكون قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية طلب إصدار مذكّرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه من جهة وبحق قادة في حماس من جهة أخرى، يعطي “انطباعًا خاطئا بمساواة” بين الطرفين.
وتابع – بيان لوزارة الخارجية الألمانية-، أن “طلب إصدار مذكّرات التوقيف بالتزامن بحق قادة في حماس من جهة وبحق مسؤولَين إسرائيليين من جهة أخرى أعطى انطباعا خاطئا بمساواة”، مشدّدة في الوقت نفسه على احترام “استقلالية” المحكمة الجنائية الدولية.
وقال متحدّث باسم الخارجية الألمانية: إن حماس ارتكبت “مجزرة همجية” بهجومها في السابع من أكتوبر على إسرائيل، مضيفًا، “لا زالت حماس تحتجز رهائن إسرائيليين في ظروف تفوق الوصف وتهاجم إسرائيل بصواريخ وتستخدم سكان غزة المدنيين دروعا بشرية”، مضيفًا: “من حق الحكومة الإسرائيلية وواجبها أن تحمي شعبها وأن تدافع عنه في مواجهة هذا الأمر”.
وعلى خلافهم، جاء الرد الفرنسي داعما للقرار الدولي، إذ أعربت باريس عن دعمها لاستقلالية المحكمة الجنائية الدولية التي طلب مدعيها العام إصدار مذكرات توقيف بحق قادة إسرائيليين، من بينهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إضافة إلى قادة من حركة حماس.
وقال بيان صادر عن الخارجية الفرنسية: إن “فرنسا تدعم المحكمة الجنائية الدولية واستقلاليتها ومكافحة الإفلات من العقاب في جميع الحالات”.
ودانت الوزارة “المجازر المعادية للسامية التي ارتكبتها حماس” خلال هجومها على إسرائيل في 7 أكتوبر، وما رافقها من “أعمال تعذيب وعنف جنسي”.
وأضافت أنها حذرت إسرائيل “بضرورة الالتزام الصارم بالقانون الإنساني الدولي، وخاصة المستوى غير المقبول للضحايا المدنيين في قطاع غزة وعدم وصول المساعدات الإنسانية بشكل كاف”.
وكان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، قال: إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه يوآف غالانت، يتحملان المسؤولية عن الجرائم ضد الإنسانية في غزة.
وأكد كريم خان، أن الأدلة خلصت إلى أن مسؤولين إسرائيليين حرموا بشكل ممنهج فلسطينيين من أساسيات الحياة، وأن نتنياهو وغالانت متواطئان في التسبب في المعاناة وتجويع المدنيين في غزة.
كما تسعى المحكمة الجنائية الدولية إلى إصدار أوامر اعتقال بحق زعيم حركة “حماس” في غزة يحيى السنوار بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فيما يتعلق بهجمات 7 أكتوبر، حسبما قال المدعي العام للمحكمة كريم خان لـ CNN.
وقال خان: إن المحكمة الجنائية الدولية تسعى أيضًا لإصدار مذكرات اعتقال بحق وزير الدفاع الإسرائيلي يواف غالانت، وبحق قياديين آخرين في “حماس” هما محمد دياب إبراهيم المصري، زعيم “كتائب القسام” المعروف باسم محمد الضيف، ورئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، إسماعيل هنية.
وتمثل أوامر الاعتقال ضد السياسيين الإسرائيليين المرة الأولى التي تستهدف فيها المحكمة الجنائية الدولية المسؤول الأعلى منصبًا في دولة تُعتبر حليفا وثيقا للولايات المتحدة الأمريكية.
ويضع القرار المحتمل نتنياهو بصحبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه بشأن حرب موسكو على أوكرانيا، وستنظر لجنة من قضاة المحكمة الجنائية الدولية الآن في طلب خان لإصدار أوامر الاعتقال.