بعد أن كان المرشح الأول لخلافته وينتظره مستقبل مفعم بالآمال، خرج المرشد الإيراني علي خامنئي، اليوم الاثنين، ناعيًا الرئيس إبراهيم رئيسي ومرافقيه الذين توفوا بحادثة تحطم مروحية أمس الأحد في شمال شرقي البلاد، ومعلنًا الحداد الوطني لمدة 5 أيام.
وجاء تحطم طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الذي أدى لمقتله والوفد المرافق له، كحدث غير متوقع فاجأ الرأي العام المحلي والدولي، إذ سيكون له تأثير على توازن القوة داخل نظام الجمهورية الإسلامية، بغض النظر عما إذا كان تحطم الطائرة ناتجًا عن سوء الأحوال الجوية أو مؤامرة داخلية أو خارجية.
وكان رئيسي هو المنافس الأول على منصب الزعيم الأعلى للبلاد بعد تعامله المتشدد مع القضايا المرتبطة بالالتزام الديني والقمع الدموي للاحتجاجات التي أشعلت فتيلها هذه القضايا في أنحاء إيران.
ويرى المحللون أن رئيسي، وهو متشدد ورئيس سابق للسلطة القضائية، كان الخليفة المحتمل لآية الله علي خامنئي البالغ من العمر 85 عامًا كمرشد أعلى لإيران، وفقًا لصحيفة بوليتكو المتخصصة في شؤون السياسة العالمية.
وتابعت: “بعد وفاة رئيسي، فإن ذلك سيستمر في تضييق عملية اختيار من قد يكون المرشد الأعلى القادم، ففي هذه الحالة سيصبح نجل آية الله خامنئي (مجتبى) هو أحد المرشحين المحتملين”.
كما أكد مركز أبحاث الديمقراطيات، الذي ضغط من أجل فرض المزيد من العقوبات على إيران: “لا تستطيع الجمهورية الإسلامية تحمل الصدمات الخارجية بالنظر إلى حقيقة أنها تواجه مشاكل داخلية كبيرة على الجبهة الداخلية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، لذا السبب فهذه نقطة اشتعال محتملة.”
ويأتي ذلك بسبب ما انتهجه رئيسي من سياسة خارجية عدوانية بشكل متزايد، وهدد مرارًا وتكرارًا بحرب شاملة ضد إسرائيل منذ بداية الصراع بين إسرائيل وحماس في غزة، وقدم الأسلحة والدعم السياسي لروسيا، وفقًا لتقرير “بوليتيكو”.
وقاد فوز رئيسي في انتخابات عام 2021 بعد استبعاد هيئة رقابية للمنافسين المحافظين والإصلاحيين ذوي الوزن الثقيل إلى وضع جميع أذرع السلطة في يد المتشددين الموالين للزعيم الأعلى علي خامنئي (85 سنة) صاحب القول الفصل في جميع الأمور السياسية بإيران والموجه الناصح لرئيسي.
واتخذ رئيسي (63 سنة) موقفاً متشدداً في المفاوضات المتوقفة الآن مع القوى الست الكبرى التي كانت ترمي إلى إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015، إذ إنه كان يرى أفقاً للحصول على إعفاءات واسعة النطاق من العقوبات الأميركية مقابل فرض قيود متواضعة فحسب على برنامج إيران النووي الذي يسجل تطوراً متزايداً.
وزادت حماسة المتشددين في إيران بعد انسحاب القوات الأميركية بصورة فوضوية من الجارة أفغانستان، فضلاً عن التحولات السياسية في واشنطن.
وفي عام 2018 انسحب الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترمب من اتفاق أبرمته طهران مع القوى الست وأعاد العقوبات الأميركية الصارمة على إيران، مما دفع طهران إلى الدخول في انتهاكات تدريجية للقيود النووية التي اشتمل عليها الاتفاق.
وبدا توجه رئيسي المتشدد جلياً أيضاً في السياسة الداخلية. فبعد عام على انتخابه، أمر رجل الدين متوسط المرتبة السلطات بتشديد تطبيق (قانون الحجاب والعفة) الإيراني الذي يضع قيوداً على ملابس المرأة وتصرفاتها.
وعلى رغم أنه كان حديث عهد بالساحة السياسية تمتع رئيسي بدعم كامل من خامنئي المناهض للغرب في كل من موقفه تجاه الملف النووي والحملة الأمنية، إلا أن الاحتجاجات واسعة النطاق ضد حكم رجال الدين والإخفاق في النهوض بالاقتصاد الإيراني المتعثر على خلفية العقوبات الغربية وسوء الإدارة ربما قللت من شعبيته في الداخل.
وقالت منظمات لحقوق الإنسان: إن رئيسي الذي عمل في شبابه مدعياً في طهران كان عضواً في لجنة أشرفت على إعدام مئات المعتقلين السياسيين في العاصمة الإيرانية عام 1988 إبان انتهاء حرب إيران مع العراق التي استمرت ثماني سنوات.
وتدرج رئيسي في صفوف رجال الدين الشيعة في إيران حتى عينه خامنئي في منصب رئيس السلطة القضائية عام 2019. وبعد ذلك بوقت قصير، جرى انتخابه نائباً لرئيس مجلس الخبراء، وهو هيئة دينية تتألف من 88 عضوًا ويقع على عاتقها انتخاب الزعيم الأعلى المقبل.
وجمعت الشكوك العميقة تجاه الغرب بين كل من رئيسي وخامنئي. ورئيسي شعبوي مناهض للفساد دعم حملة خامنئي لتحقيق الاكتفاء الذاتي في الاقتصاد واستراتيجيته المتمثلة في دعم قوات تعمل بالوكالة في أنحاء الشرق الأوسط.
وقالت سنام وكيل نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “تشاتام هاوس”، “رئيسي شخص يثق به خامنئي. رئيسي قادر على حماية إرث الزعيم الأعلى”.
وشغل رئيسي منصب نائب رئيس السلطة القضائية 10 سنوات قبل أن يعين مدعياً عاماً في عام 2014. وبعد هذا بخمس سنوات فرضت الولايات المتحدة عليه عقوبات على خلفية انتهاكات لحقوق الإنسان تتضمن إعدامات الثمانينيات.
وفي سعيه إلى منصب الرئيس خسر رئيسي أمام المرشح البراغماتي حسن روحاني في انتخابات عام 2017. وأرجع متابعون فشله على نطاق واسع إلى تسجيل صوتي يعود لعام 1988 وظهر في 2016، وتردد أنه أماط اللثام على دوره في عمليات الإعدام التي نفذت عام 1988.
وفي التسجيل تحدث آية الله حسين علي المنتظري الذي كان يشغل منصب نائب الزعيم الإيراني في تلك الفترة عن عمليات القتل. وجرى اعتقال نجل المنتظري وسجنه بسبب نشره التسجيل.
ولد رئيسي عام 1960 لعائلة متدينة في مدينة مشهد المقدسة لدى الشيعة. وفقد والده وهو في الخامسة من عمره، لكنه سار على خطاه ليصبح رجل دين. وشارك عندما كان طالباً في مدرسة دينية بمدينة قم في الاحتجاجات ضد الشاه المدعوم من الغرب خلال ثورة 1979. ودعمته علاقاته مع رجال الدين ليكون شخصية موثوقة في السلطة القضائية.
وكان رئيسي في أذربيجان، في وقت مبكر من يوم الأحد، لافتتاح سد مع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف. ويعد هذا السد هو الثالث الذي بنته الدولتان على نهر أراس، وكان حاكم شرق أذربيجان آية الله الهاشم ووزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان حاضرين أيضًا على متن الموكب.