ذات صلة

جمع

صراع الجيوب.. كيف مزقت الخلافات المالية أوصال الإخوان؟

في خضم الصراعات الداخلية المتواصلة التي تمزق جماعة الإخوان...

منع الإيرانيين في سوريا.. هل بدأت دمشق ترسم حدود النفوذ؟

في خطوة مفاجئة، أفادت مصادر في مطار دمشق الدولي،...

بعد اتفاق غزة.. الجيش الإسرائيلي يُنفذ تغييرات تاريخية في صفوفه

بعد الإعلان عن تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في...

هل ارتكب الحوثيون خطأً استراتيجيًا وأصبحوا في ورطة داخل اليمن؟

‏‏مع الضربات الجوية المتبادلة مؤخرًا، قد يكون الحوثيون في...

حال إشعال إيران حرب مع تل أبيب.. هل تتمكن إسرائيل من مواصلة النزاع في غزة؟

تزداد الأزمات يومًا بعد يوم في إسرائيل، بين الخلافات الداخلية والاستنكار الشعبي للحكومة والمطالبات برحيلها واحتجاجات أسر الرهائن والنزاعات الداخلية في الحكومة نفسها، ومن ناحية أخرى الأزمات الخارجية وعلى رأسها الحرب في غرة والتي قادتها لاستهداف حدودها مع حزب الله وعدد من الجماعات المسلحة أيضًا، بينما تصاعدت مؤخرًا التهديدات الإيرانية بتوجيه ضربة قاسية لتل أبيب ردت على استهداف الأخيرة لقنصلية طهران في دمشق.

ورغم الإجراءات المكثفة التي اتخذتها إسرائيل لمواجهة الضربة الإيرانية حال وقوعها، إلا أنه توجد مخاوف بالغة منها، خاصة مع وجود تعثرات في الاتفاق بشأن مفاوضات غزة، وهو يطرح تساؤلاً مهماً مرتبطًا بالإمكانات والقدرات الإسرائيلية للحرب على جبهتين، وثلاث في التوقيت نفسه.

وتؤكد الرؤية الاستراتيجية لإسرائيل أنها تملك القدرات والإمكانات للحرب على جبهات متعددة، وفي التوقيت نفسه، ذكر وزير مجلس الحرب بيني غانتس، أن إسرائيل ستذهب إلى كل المهددات، وستتعامل معها بصورة مباشرة وممكنة في ظل ما يجري من تحديات من الجنوب والشمال، وفي ظل التصميم على إزالة الخطر المهدد لبقاء الدولة في محيطها الإقليمي كقوة رئيسة قادرة على الردع والمواجهة، وهو ما تعمل عليه الدولة العبرية في الوقت الراهن من استعادة الهيبة والمكانة والقدرة العسكرية الحقيقية مثلما كانت قبل السابع من أكتوبر، وفقًا لمقالة الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، التي وردت في صحيفة اندبندنت البريطانية.

وجزء مما يجري في إطار مواجهات غزة، والإمعان في استخدام القوة العسكرية الممنهجة، واستمرار القتال داخل القطاع مرتبط بالبعد السيكولوجي للمقاتل الإسرائيلي الذي يحارب من أجل استعادة المكانة والجدارة التي تعمل عليها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في الوقت الراهن وتنطلق من خلالها لتأكيد ثوابت المواجهة، سواء مع حركتي “حماس” و”الجهاد”، أو مع “حزب الله”، بل، ومع الفصائل الأخرى في سوريا والعراق وجنوب البحر الأحمر، ما يؤكد أن إسرائيل ستمضي في هذا السياق.

وقال فهمي في مقالته: “يبقى السؤال المطروح: هل يمكن لإسرائيل الدخول في الوقت الراهن بحرب على جبهتين بالفعل أو ثلاث، ليس في إطار مواجهات غير دورية مثلما يجري، وإنما حرب شاملة مع حزب الله بالنيابة عن إيران على رغم التقدير العام أن الطرفين لا يريدان بالفعل الدخول في مواجهة، حيث تبقى معادلة رابح رابح/ خاسر مطروحة، وفي إطار معضلة السجين التي يعمل عليها الطرفان، بخاصة أن القدرات الإسرائيلية، واقعياً، تتآكل على رغم كل ما يقال؟.

فيما يتردد في ظل طلب إسرائيل عقد صفقات سلاح مع الجانب الأميركي، والحصول على الصفقة الثالثة التي نجح وزير الدفاع غالانت في اتمامها، ما يؤكد أن الإشكالية ليست في الحصول على السلاح الأميركي في إطار صفقة طوارئ فقط وقعها وزير الخارجية أنتوني بلينكن، وليس الكونغرس بتوصية من وزارة الدفاع، وإنما في سمعة السلاح الإسرائيلي في العالم، والتي كانت، ولا تزال، تتباهى به إسرائيل، وتركز عليه باعتبارها تبيع السلاح إلى دول عدة، وتعمل على توفيره لكثير من الدول في أسواق السلاح البيضاء، كما تتعامل مع أسواق أخرى في إطار تحركات أجهزة الاستخبارات بخاصة “أمان” و”الموساد” في التعامل عبر شبكات دولية كبيرة، إلا أن جاءت بالفعل حرب غزة، وكشف كثير من المستجدات في هذا المجال.

ولا شك أن الأمر سيتطور بالفعل في إطار ما يجري، بخاصة أن الحرب مع “حزب الله” وتغيير وقواعد الاشتباك في حاجة إلى أدوات مختلفة وقدرات نوعية، إذ لا وجه للمقارنة بين المقاومة الفلسطينية وقدرات حركة “حماس” وقوات “حزب الله”، وهو ما تتخوف من تبعاته إسرائيل في أقرب مواجهة، وتتحسب لتداعياته الحقيقية حال دخول إسرائيل أي مواجهة ممكنة أو محتملة.

وستظل استراتيجية الردع والردع المقابل قائمة بين “حزب الله”، وبين إيران وإسرائيل، إلا أنه لا أحد يضمن وقوع المواجهات بالخطأ في إطار ما قد يجري من تطورات رئيسة في هذا الإطار، وفي سياق ما يجري من تصعيد إسرائيلي، ورفع حالة الطوارئ على طول مناطق الحدود، ومن ثم، فإن الحرب الراهنة في غزة انتقلت إلى مرحلة الترتيبات الأمنية التي تقوم بها إسرائيل في إطار استمرار المواجهات الحالية مع الانتظار لما هو قادم من تطورات متعلقة بنجاح أو فشل التهدئة، الأمر الذي يطرح أبعاداً أخرى متعلقة بأبعاد سياسية كحكم القطاع، أو إداراته، أو الدخول في مساحات من المواجهة غير الدورية، مع البقاء على الأرض، وهو ما يؤكد أن إسرائيل ستستمر تعتمد على قدراتها في الداخل مع البحث الدوري عن حكم إداري في قطاع غزة وطرح رؤية لوجود أمني دولي أو إقليمي أو عربي.

وإلى حين أن يتم ذلك، فإسرائيل ماضية في نهجها ما بين الاستمرار في مفاوضات التهدئة حتى الذهاب إلى تنفيذ بعض استحقاقاتها لفرض الاستقرار الداخلي، لبعض الوقت، مع تثبيت أركان الحكومة الحالية، وعدم الانجرار إلى دعوات المعارضة للدخول في انتخابات مبكرة، إذ إن الأمر لن يقتصر على مجرد دعوات، بل الاحتكام إلى الجمهور الإسرائيلي الداعم حتى الآن للاستمرار في الحرب وعدم الذهاب إلى تهدئة أصلاً، وذلك من واقع جزء من الرأي العام الذي ما زال متردداً بين العمل في ظل خيارات حرب ومواجهة ما سيجري.

بينما في ظل احتمالات التصعيد تجاه إيران و”حزب الله” أو الاستمرار في مواجهات دورية مع الفصائل من دون أن تصل للحرب الجزئية أو الكلية، فإن السؤال مرتبط في المقام الأول بحدود وقدرات إسرائيل الواقعية، وعدم اقتصار ذلك على القدرات النظرية، وما أكثرها في إطار توازنات القوى والكم والكيف للسلاح الإسرائيلي، وهو ما يؤكد ثوابت المواجهة، بخاصة أن قدرات إسرائيل العسكرية باتت في مراحل معينة، بمرور أشهر من المواجهة مع حركة “حماس” عقيمة، ومحدودة، وغير قادرة على فرض الخيار الاستراتيجي لإسرائيل، بل دخلت في سيناريو مفتوح.

ما يؤكد أن قدرات إسرائيل في حال الاتجاه للحرب على جبهة الشمال ستكون مرتبطة بأبعاد أخرى ومتعددة للمواجهة أو الحسم، وهو ما تؤكده التقديرات الاستراتيجية الإسرائيلية كافة من أن الحرب على الشمال ستكون مختلفة تماماً، وأن سيناريو ما يجري حتى الوقت الراهن في غزة لن يكون مشابهاً لما يمكن أن يجري في جنوب لبنان، بخاصة أن الحرب الأخيرة سترتبط واقعياً بثوابت حقيقية ومسارات مختلفة ما يؤكد أن الحرب ستكون محددة لمستقبل إسرائيل في الإقليم، في ظل احتمالات تحرك الوكلاء الإقليميين للدخول في مخطط لإنهاك إسرائيل، وتشتيت قدراتها العسكرية، وفي ظل تباين المواقف الداخلية حول الأولويات المطروحة أمام إسرائيل.

ويمكن التأكيد أن القدرات العسكرية الراهنة، وعلى رغم كل ما يتردد من إمكانية الحرب على جبهات مختلفة ومتعددة، غير قادرة على العمل في اتجاهات مختلفة حتى الآن، وفي ظل كثير من المتغيرات الراهنة التي فرضت نفسها على مسار ما يجري في غزة من تطورات متعلقة بفكرة اللاحسم، أو القدرة على إحداث تغيير حقيقي في إدارة المشهد على جبهة واحدة، ما يؤكد أن الجبهات الأخرى المرشحة للتصعيد قد تعمل في مساحة محددة، وعلى رغم التسليم المكرر بأن لا إسرائيل ولا “حزب الله” يسعيان إلى مواجهة كاملة اكتفاء بما يجري، إلا أن المواجهات بالخطأ قد تؤدي إلى حرب شاملة في إطار التصعيد المحتمل تدريجاً، ومن خلال تطورات نوعية حقيقية يمكن أن تعلن عن نفسها من خلال مقاربات عسكرية، واستراتيجية في المقام الأول.

وفي المجمل، فإن هناك إجماعًا لدى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية حول الحاجة إلى حملة دعائية لتحضير الإسرائيليين لحرب شاملة، ولكن هناك خلاف حول كيفية تسويق هذه القضية للجمهور الإسرائيلي ومحاولة إقناعه بأن إسرائيل يجب أن تذهب للحرب على جبهة لبنان لتأمين حضورها في الإقليم.

spot_img