في تطور جديد لقضية سرقة القرن، يستعد العراق لمطالبة الشرطة الدولية (الإنتربول) بإصدار “أوامر قبض دولية” في حق مسؤولين كبار سابقين، بينهم وزير مالية ورئيس جهاز استخبارات سابقان، فيما يتعلق بقضية سرقة أمانات ضريبية تزيد على 2.5 مليار دولار.
وكشف مسؤولون عراقيون أن تلك الفضيحة حول عمليات سحب نقدي غير مشروعة من الهيئة العامة للضرائب في البلاد في عامي 2021 و2022 بلغ مجموعها نحو 2.5 مليار دولار، وهو مبلغ ضخم حتى في البلد الذي يصنف دائماً من بين أكثر الدول فساداً في العالم.
وأعلن رئيس هيئة النزاهة حيدر حنون عن تحرك لتنظيم “إشارات حمراء” من “الإنتربول” بحق المطلوبين، مضيفا أن القضاء سيطلب أيضاً إصدار إشارات حمراء للسكرتير الخاص ومستشار سياسي لرئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي.
ونفى الكاظمي ووزير المالية السابق علي علاوي ضلوعهما في الفساد الذي تردد أنه افتضح في أواخر العام الماضي بعد تولي حكومة جديدة السلطة.
واستقال علاوي من المنصب في أغسطس 2022 متذرعاً بالتدخل السياسي في العمل الحكومي وبالكسب غير المشروع. وقال بعد ذلك إنه اتخذ خطوات لمنع حدوث سرقة في الهيئة العامة للضرائب، لكن المسؤولين الآخرين تجاهلوا قراراته.
وقال رئيس هيئة النزاهة في مؤتمر صحفي: إن “مسألة الأمانات الضريبية هي قضية الفساد الأكبر المكتشفة إلى اليوم، ولها خصوصية كونها جريمة فساد امتزجت بالخيانة”. وأوضح أن “الهدف منها لم يكن فقط سرقة المال العام، بل أيضاً إضعاف ثقة الشعب بالدولة ومؤسساتها والقائمين عليها”.
وشدد على أن “قضية سرقة الأمانات الضريبية لن تموت، ونقول لمرتكبي هذه الجريمة لا تراهنوا على الزمن، فإن مضي الأيام لن ينسينا الجريمة، وستبقى بذاكرة الشعب اليومية. بقاؤكم خارج القضبان وأنتم تتمتعون بأموال العراق المسروقة لن يستمر طويلاً، وسنسلك كافة السبل حتى نتمكن من تنفيذ أوامر القبض الصادرة في حقكم ونسترد أموال الشعب المنهوبة”.
فيما قال رئيس الوزراء العراقي الحالي محمد شياع السوداني: إنه يعطي أولوية لمحاربة الفساد المستشري في البلاد وأدى إلى سرقة مليارات لا حصر لها من ثروة البلاد النفطية على مر السنين، وأشار حنون إلى أن العراق يسعى إلى تسلم المتورطين في السرقة من عدد من الدول، ودعا الولايات المتحدة وبريطانيا إلى “تسليم المتهمين الهاربين”.
وقال حنون: إن جميع المطلوبين في “سرقة القرن” لا تقل عملية استحواذ الواحد منهم عن 100 مليار دينار (77 مليون دولار). وأضاف أن “الجريمة كبيرة، وعدد المتهمين فيها يزيد على 48 متهماً”.
وأوضح حنون لـ”رويترز” في وقت لاحق أن رجل أعمال عراقياً يدعى نور زهير أصبح أحد أبرز المشتبه فيهم بالقضية، استعاد نحو 380 مليار دينار (292 مليون دولار) من الأموال المسروقة منذ إطلاق سراحه بكفالة في نوفمبر 2022، فيما أكد زهير علناً براءته من كافة التهم الموجهة له.
وبينما يتساءل كثيرون في العراق عن سبب السماح لرجل الأعمال بحرية الحركة على رغم مزاعم المسؤولين بأنه لعب دوراً رئيساً في السرقة. قال حنون إن قضية زهير ما زالت معلقة، مضيفاً أن قرار إعادة احتجازه في يد القضاء.
بدوره كتب مستشار رئيس مجلس الوزراء العراقي هشام الركابي في تغريدة على منصة “إكس” (تويتر سابقاً) أن “جهود الحكومة في استرداد المطلوبين إلى القضاء العراقي عبر (الإنتربول) لن تترك أمام الدول التي تحتضن المطلوبين خياراً سوى تسليمهم لقضاء البلاد لمحاكمتهم واسترداد ما في ذمتهم من أموال الشعب المنهوبة”.
فيما يرى خبراء في مكافحة الفساد أن ما يعتزمه العراق في اللجوء لـ”الإنتربول” في حق مسؤولين سابقين جاء بناءً على إجراءات قضائية؛ إذ إن المنسوب إليهم الاتهامات لم يراجعوا القضاء، كما لم يسلموا أنفسهم أو حضروا الاستدعاء الموجه إليهم، بالتالي هم متهمون هاربون من واقع حكم قضائي في حقهم.
وأضافوا: أن هيئة النزاهة تحركت بشكل جدي ولديها اتفاقات تعاون مع الدول التي تحتضن الهاربين، وعلى هذا سيكون القبض عليهم لتقديمهم للمحاكمة سريعاً.
وفي الوقت الذي يتفق فيه مع إجراءات هيئة النزاهة في ملاحقة ملفات فساد المسؤولين، فإنه يلحظ أن بوصلتها متجهة فقط نحو حكومة الكاظمي حتى هذه اللحظة.
ومن ناحيته كتب مجاهد الطائي، الباحث السياسي في العراق، عبر حسابه بموقع “تويتر”، أن: “رئيس هيئة النزاهة يدعو واشنطن ولندن تسليم مدير مكتب رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، ورئيس جهاز المخابرات، ووزير المالية السابقين لتورطهم في سرقة القرن، فقضية سرقة الأمانات الضريبية لن تموت، ويقول لمرتكبي هذه الجريمة: لا تراهنوا على الزمن فإن مضي الأيام لم ينسنا الجريمة!”.