أزمة سياسية صعبة، يواجهها رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي مؤخرا، بسبب رغبة قوى سنية على الإطاحة به بالاتفاق مع قوى “الإطار التنسيقي” التكتل الأكبر الموالي لإيران.
ومنذ تشكيل الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني في أكتوبر 2022 صعدت الميليشيات الموالية لإيران لهجتها إزاء رئيس البرلمان، على خلفية “التحالف الثلاثي” الذي عقده مع التيار الصدري قبل انسحاب الأخير في أغسطس 2022، ودخلت قوى سنية عدة على خط الخلافات بين رئيس البرلمان والقوى الموالية لإيران، في مسعى منها إلى شغل مساحة في الحراك السياسي السني مع اقتراب الانتخابات المحلية.
وتبدو بوادر الحراك باتجاه عزل الحلبوسي أكثر جدية في الفترة الأخيرة، خصوصاً مع الحديث المتكرر من شخصيات سياسية سنية عن الوصول إلى مراحل غير مسبوقة في سياق تحقيق هذا المسعى.
وتحدث السياسي السني قتيبة الجبوري عن “تشكيل القوى السنية للنصف زائد واحد للإطاحة بالحلبوسي”، وقال في تصريح متلفز، في الـ20 من يوليو الماضي، إن “الكتل السنية داخل البرلمان تمكنت من تشكيل النصف زائد واحد، وأرسلوا مخولين عنهم للإطار التنسيقي”، مبيناً أن الإطار طالب النواب السنة بـ”الخروج بمؤتمر صحفي يحددون فيه عددهم ومطالبتهم بإقالة رئيس البرلمان للمضي بالإجراءات”.
وكان رئيس ائتلاف “دولة القانون” نوري المالكي قال في وقت سابق: إن “الإطار التنسيقي لم يطرح قضية إقالة الحلبوسي”، مردفاً “قلنا إن هذا الأمر يخص السنة من أجل التغيير، وقلنا لهم اجلبوا نصف زائد واحد ونحن سنقف معكم، ولا نريد أن يقال إن الشيعي أقال السني، والقضية قائمة وأبلغت الحلبوسي بذلك”.
فيما ترك “الإطار التنسيقي” الأمر في يد القوى السنية مع اعتماده على سردية أن مناصب الرئاسات الثلاث تعد من حصص المكونات؛ لذا فإن أي تدخل مباشر من القوى الشيعية في حسم ملف إقالة الحلبوسي سيفكك تلك السردية التي وصل “الإطار” من خلالها إلى رئاسة الوزراء.
وفي تصعيد جديد من حزب رئيس البرلمان “تقدم”، قال قيادي في الحزب: إن “تغيير رئيس البرلمان سيتلوه تغيير رئيس الوزراء، خصوصاً أن كلاهما تولى المنصب بتوافق سياسي”، وأشار إلى أن ما يجري يعد “سابقة خطرة في العملية السياسية”، وشدد الحلبوسي من جهته على “الالتزام بورقة الاتفاق السياسي” التي أدت إلى تشكيل الحكومة.
وتزامن هذا الحراك مع تشكيل تحالف “الحسم” الذي يعد أوضح وأكبر تحالف سني معارض لرئيس البرلمان حالياً، ويضم التحالف الجديد شخصيات سنية أبرزها وزير الدفاع الحالي ثابت العباسي الذي اختير رئيساً للتحالف، فضلاً عن رئيس حزب “الحل” جمال الكربولي، ورئيس البرلمان الأسبق أسامة النجيفي ووزير المالية السابق رافع العيساوي.
وتقول أطراف التحالف: إن تشكيله جاء لغرض خوض الانتخابات المحلية المقبلة المزمع إجراؤها في ديسمبر المقبل، وقال النجيفي: إن “بلدنا عاش مراحل مريرة، وعانى الإرهاب والفساد والسلاح المنفلت، وعلى رغم كل الجهود الخيرة التي يبذلها رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، ونحن ندعمها بقوة، الطريق ما زال طويلاً لتحقيق ما تطمح إليه جماهيرنا في العراق، وبشكل خاص في المحافظات المحررة”.
ورغم عدم إعلان التحالف موقفه الصريح من الحلبوسي، فإن مصادر سياسية تشير إلى أن الغاية الرئيسة منه هي منافسة حزب “تقدم” الذي يترأسه رئيس البرلمان، ونفى المتحدث باسم تحالف “الحسم” حكمت سليمان أن يكون الهدف الرئيس من تشكيل التحالف هو الاتفاق حول ملف إقالة رئيس البرلمان. وأضاف سليمان أن عوامل عدة حفزت تشكيل التحالف في الوقت الحالي، لعل أبرزها “الانفراج الدولي في ما يتعلق بالموقف من العراق، وتقارب القوى الإقليمية التي كانت مختلفة حول الملف العراقي”.
وأشار إلى أن “الأداء الحكومي الساعي إلى الإصلاح وتجاوز الإشكالات السابقة دفع القوى المشكلة للتحالف إلى الإسراع في إعلانه”، ولعل اللافت في التحالف هو تضمنه عديداً من الشخصيات التي كانت القوى الموالية لإيران تتهمها بالإرهاب، فضلاً عن ملاحقة عديد منهم بمذكرات قضائية خلال فترة حكم المالكي.
وتأتي الإشكالات السياسية الأخيرة على الساحة العراقية مدفوعة بقرب الانتخابات المحلية المقبلة، التي يبدو أنها ستعيد التوتر من جديد إلى الأجواء مع احتدام المنافسة بين جميع الأطراف، ولا تبدو “ثورة التغييرات” التي أجراها رئيس الوزراء في محافظة الأنبار مؤثرة في نفوذ الحلبوسي حتى الآن، خصوصاً أن قائد الشرطة الجديد الذي كانت الأطراف الموالية لإيران تعول على أنه سيمثل حجر عثرة في طريق الحلبوسي، التقى الأخير بمجرد انتهاء اجتماعه مع رئيس الوزراء.
وتبدو الضغوط السياسية في أقصاها على نواب كتلة “تقدم” التي يترأسها الحلبوسي، في مسعى إلى دفعها إلى التخلي عنه مع اقتراب الانتخابات المحلية، في حين استبعد الباحث في الشأن السياسي مصطفى ناصر أن تفضي مساعي إقالة الحلبوسي إلى أي نتائج.
وقال: إن “عدم رغبة تيار الفصائل المسلحة في كسر الهدوء النسبي الذي تعيشه حكومة الإطار هو الذي يعرقل مساعي إقالة رئيس البرلمان”، مبيناً أن ما يجري لا يعدو سوى “محاولات لإضعاف الحلبوسي وخلق جبهة منافسة له، لاستباق أي محاولة لإعادة سيناريو التحالف الثلاثي في الانتخابات البرلمانية المقبلة”.
وعلى رغم محاولات القوى الموالية لإيران إضعاف الحلبوسي إلا أن الأخير “يستفيد من هذا التصعيد” كما رأى ناصر، لافتاً إلى أن “حال الاستقطاب الأخيرة زادت من رصيده في الشارع السني المعادي للميليشيات”.