حرب دموية أكلت الأخضر واليابس، وجعلت السودان عبارة عن مدينة للأشباح، وطلقات النيران تدخل إلى المنازل والبيوت تعيش على فتات الطعام وبلا مياه صالحة للشرب.
أربعة شهور والحرب دائرة ما بين قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي والجيش السوداني بقيادة البرهان، والأزمات متتالية والجثث تملأ الشوارع والكلاب تنهش الأراضي؛ بحثاً عن الجثث المدفونة في الشوارع.
رحلة البحث عن جرعة ماء، هي رحلة الموت في السودان، في ظل أن الكهرباء هي الأخرى مقطوعة عنهم، وتعاني مدن الخرطوم العطش والظلام بمستويات مختلفة، إلى جانب خراب البيئة وانتشار النفايات البشرية، وجثث القتلى من المدنيين ومن الطرفين.
ومع زيادة ارتفاع درجات الحرارة، نتيجة للتغيرات المناخية، توقفت محطة مياه بحري عن العمل بسبب الحرب، وفشل فريق الهيئة القومية للكهرباء في صيانة الأعطال قريباً من منطقة سلاح الإشارة وأماكن أخرى، وذلك في ظل أن تزويد الناس بمياه الشرب مرتبط بالكهرباء.
روائح وانبعاثات كريهة تضطر سكان الخرطوم في كثير من الأوقات إلى إغلاق نوافذ بيوتهم، وتلك الروائح تنبعث من الجثث المتناثرة والمتحللة للقتلى من العسكريين والمدنيين، يخشى على نطاق واسع، من تدهور بيئي كبير في الخرطوم، يؤدي لانتشار الأمراض والأوبئة، وتتزايد حدته مع هطول الأمطار.
ويرى سكان الخرطوم الجثث منتشرة في الطرقات منذ بداية الحرب وحتى الآن، وكان قد قال الصليب الأحمر، إنه أفلح في نقل نحو 100 جثة، لكنه لم يستطع دفن كل الجثث لأنه يعاني عدم وجود ممرات آمنة.
وتشارك منظمات مجتمع مدني محلية في عمليات دفن الجثامين، لكنها الأخرى تواجه الصعوبات ذاتها، وتعرض أفرادها لاعتداءات وسرقت سيارات تخصها.
وتتعرض المؤسسات الخدمية لاستهداف مزدوج من قِبل طرفي الحرب. فجهة تحتمي بها، وجهة أخرى تقصفها تحت ذريعة استخدامها دروعاً بشرية، ومناطق مثل الخرطوم2 والخرطوم3، حرمت من خدمات المياه والكهرباء لمدة ثلاثة أشهر، لأنها تحولت ثكنةً عسكرية كبيرة غادرها أهلها ونزحوا عنها، في حين غادر معظم سكان الخرطوم بحري منازلهم، ليس بسبب الحرب أو الكهرباء فقط، بل أيضاً هرباً من العطش.
ومع بدء العد التنازلي لموسم الأمطار والفيضانات في السودان تتزايد المخاوف من حدوث كارثة بيئية كبيرة بسبب الآثار الناجمة عن القتال الذي أدى إلى المزيد من الدمار في البنية التحتية الضعيفة أصلا، إضافة إلى تراكم أطنان من النفايات، وسط حديث عن تحلل جثامين في عدد من المناطق.
وتقول الإعلامية السودانية داليا إلياس: إن احتمال حدوث انعكاسات بيئية وصحية بات واضحاً في ظل الأمطار التي جرفت مخلفات النفايات وبقايا الجثامين المدفونة في الأحياء والطرقات العامة، وبالتالي انتشار البكتيريا الضارة في الهواء وربما اختلاطها بشبكات مياه الشرب؛ ما ينجم عنه تفشي العديد من الأمراض الخطيرة مثل الكوليرا والبلهارسيا.
وأضافت إلياس في تصريحات لـ”ملفات عربية”: أن الأمر يتطلب إجراء عمليات تطهير واسعة والتعامل بشكل سريع مع الكارثة لتقليل المخاطر المرتبطة بها، وهو أمر صعب للغاية في ظل غياب الإدارة الفاعلة للنفايات والمخلفات.