يشهد العراق مجددا خلافات حزبية محتدة تعد بعودة الفوضى الأمنية للبلاد بعد فترة من الهدوء النسبي، إذ تفاقمت الأزمة بين التيار الصدري وحزب الدعوة، عقب حرق مكاتب أحزاب الإطار التنسيقي في بغداد ومدن جنوب العراق، وذلك بعد اتهامات للإطار التنسيقي بالإساءة إلى مرجعات في التيار الصدري.
وقبل يومين، أقدم غاضبون من أنصار التيار الصدري في العراق، على اقتحام وإغلاق مقار تابعة لحزب الدعوة في عدة محافظات عراقية، على خلفية اتهام قيادي بالتيار لجهات “إطارية” بالإساءة لوالد رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، وأفاد مصدر أمني بأن عناصر مجهولة استهدفت مقر الحزب في النجف بقذيفة “آر بي جي”، وفقا لموقع “السومرية نيوز” .
وفي المقابل، حذر زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، من “محاولات زرع فتنة شيعية شيعية”، من خلال حرق بعض المقرات.
لذا عقد ائتلاف إدارة الدولة، بالإضافة إلى رئيس الحكومة، وبطلب من حزب الدعوة، اجتماعا عاجلا قرر فيه إرسال مشروع قانون إلى البرلمان، يجرم الاعتداء على دور العبادة ومراجع الدين، وهو ما طالب به زعيم التيار الصدري، قبل اتخاذ خطوات تصعيدية لوّح بها.
وأكدت هذه الأحداث، حسب متابعين، بقاء التيار الصدري رقما صعبا في المشهد العراقي، حتى وإن كان خارج التمثيل السياسي داخل الحكومة أو البرلمان، فالقاعدة الجماهيرية الواسعة له تجعل حضوره قويا في أي مواجهة سياسية أو انتخابية، وتمكّن هذه العوامل، التيار الصدري من فرض قوانين على البرلمان، وإن كان لا يمثله فيه نائب واحد.
وفي ظل هذه الأحداث، طُرحت العديد من الأسئلة في الساحة العراقية.. فلماذا تأججت الخلافات بين التيار الصدري وحزب الدعوة في هذا التوقيت؟ وهل يكون الحل في تشريع قانون تجريم المساس بالرموز الدينية؟
ويرى خبراء عراقيون أنه “رغم انسحاب الصدر والتيار الصدري من الحياة السياسية، فإني أعتقد أن بعض الكتل السياسية ما زالت تعمل على إضعاف التيار الصدري ومحاولة تفكيكه، ولاحظنا هذا قبل فترة من خلال من يُطلق عليهم (أصحاب القضية)، وهي جماعة داخل التيار الصدري، مما يعكس وجود محركات خارجية”.
كما “التجاوز على الصدر أو محمد الصادق يدخل ضمن هذا المشروع. إنه مشروع لاستفزاز التيار الصدري والتشكيك بعقائده، ولهذا قال الصدر بالفعل إن الحرب تحولت من صراع سياسي إلى صراع عقائدي”، لذا “بالتأكيد ما جرى هو محاولة لإضعاف التيار الصدري واستفزازه وإثارة إشكالية جديدة معه.. فحتى بعد انسحابه من الحياة السياسية، يتم السعي لاستفزازه، وتم الرهان على عملية انقسام داخل التيار، لكن بعد أن دعا الصدر لتظاهرات احتجاجا على حرق القرآن في السويد، أثبتت أن التيار يكبر والكثير من الناس تتعاطف معه”.
فيما يعتبر “تشريع مثل هذا القانون قد يقف أمام كل المحاولات التي تقوم بها بعض الأطراف، ويؤدي لتجاوز هذا الصراع وبالتالي تجاوز فتنة خطيرة لاقتتال داخلي أو شيعي شيعي، توجد له على ما يبدو مغذيات خارجية وداخلية”.
من جانبه، اعتبر عضو ائتلاف دولة القانون، وائل الركابي، أن “التيار الصدري له ثقل سياسي ومجتمعي في العراق، وقرار انسحابه من الحياة السياسية جاء بقرار زعيمه، لكن هناك تدخلات من أطراف خارجية”، وأضاف الركابي أن “في العراق لدينا أطرافًا عديدة وتدخلات سياسية كبيرة، تحاول أن تشوه صورة من ينتمي لهذا المرجع أو التيار السياسي”.
كما أن “رؤية التيار الصدري متعاطفة مع نجاح العمل السياسي الحالي، لكن هناك أطراف لا تريد هذا الاستقرار طيلة الأشهر الماضية، وإنما تريد أن تشتعل أزمة بين الطرفين المؤثرين في الوسط الشيعي على الأقل، وهما حزب الدعوة والتيار الصدري”، لذا “ثمة جدية حقيقة لطرح ورقة جدول بالجلسة القادمة للبرلمان لإقرار قانون يجرم المساس بالرموز الدينية، لكن حتى مشروع القانون ينطوي على الكثير من النقاشات التي تحتاج لفترة من الزمن، ويبقى الاتفاق بشكل عام على عدم الإساءة للرموز الدينية، هو محل ارتياح ورغبة”.
وخلال الأسبوعين الماضيين أجرت “سرايا السلام” استعراضات لعناصرها في البصرة، وظهر المئات وهم يحملون الأسلحة الخفيفة والمتوسطة في جولة بين شوارع وأحياء المدينة، مع العلم أن مقتدى الصدر كان قد جمّد عمل “سرايا السلام”، عقب الاشتباكات التي وقعت عند مدخل المنطقة الخضراء (الحكومية) في بغداد، في أغسطس الماضي.